أتتذكرون أيها السّادة الحميمية الفاقعة بين كيان الإحتلال وداعش، وحجم الدٍعم الهائل الذي قُدّم لهؤلاء المجرمين خلال العقد الماضي، تحديدًا خلال الحرب المستعرة على دمشق!! هذا المنطق انقلب اليوم، فقد باتت “حماس” –بحسب الإعلام المعادي- هي “داعش” تمامًا كما تم شيطنة روسيا بداية حرب أوكرانيا، فلا عجب إذ ما سمعنا قريبًا بمصطلح “حماس-فوبيا”. فقد أثبت السابع من أكتوبر أن العالم العربي والإسلامي لم ولن يقبل بالتفاعل والتعايش مع الكيان العنصري، وبالتالي الفشل مجددًا لكل محاولات تجزئة منطقة غرب آسيا وتأجيج الفتن الطائفية والقوميّة البغيضة. نعم أفشلت عملية “طوفان الأقصى” الإستثمار بالخطاب الطائفيّ، بل ووحدت شعوب المنطقة وجبهات المقاومة، ليس فقط العسكرية بل حتى المقاومة الثقافيّة والعقائديّة الرافضة للإحتلال والكولونيوليّة. قلبت المقاومة الفلسطينية الطاولة بوجه المستكبرين الغربيين حتى شلّت قدرتهم على منهجية الرّد، وهذا ما تبرهنه همجيتهم وإجرامهم.
رغم المجازر والقصف، نجح الفلسطينيون في إختراق وعي الشعوب الآخرى وإيصال صوتهم، وكذلك في تكذيب السرديات الصهيونيّة. تجاهلوا أحزانهم وعزائهم وإنشغلوا في توثيق إجرام العدو ودحض فبركات حلفائه من سياسيين وإعلاميين ومؤثرين على منصات الإعلام البديل. وهذه السردية الممنهجة تقودها الحركة الصهيونية الأصوليّة، ومرتبطة بفكرة “التطويع” التي ابتكرها ميشيل فوكو، إذ تصوّرنا كـ “أخر” يستحق القتل لأنه “غير متحضر”. ولهذا وصف غالانت الفلسطينيين بـ “الحيوانات البشريّة” التي يجوز إبادتها.
ما يجري على شاشات الإستكبار العالمي هو محاولات خبيثة لـ تشويه المفاهيم والمصطلحات بما يخدم المصالح الإمبرياليّة. المطلوب هو إضفاء صفة “أخلاقية” على الإحتلال، وفي المقابل تشويه صورة “المقاومة” التي تجسد أرقى القيم الأخلاقيّة، وقد ظهر ذلك جليًّا في تعاملها مع أسرى العدو. وكان ثمة حديث رائج عن “تهجير” الفلسطينيين بأسلوب آخر وهو القول بأنّه “إنتقال مؤقت” لتضليل الرأي العام الغربي. ترافق ذلك مع تبرير النخب لهذه المؤامرة الخبيثة عبر منصات التواصل الإعلامي ومؤسسسات إعلامية كبرى كـ رويترز، سي أن أن، وال ستريت جورنال، ذا غاردين. كما حدث أثناء عدم ذكر من قتل المصور اللبناني عصام عبد الله، أي الصهاينة. بدورها، قامت شركة إنستغرام بالتلاعب بخاصية الترجمة، إذ يتم تحريف كل ما يشكل “خطر” على سردياتها، ووسم كل من يدعم القضية الفلسطينية بـ “الإرهابي”. فلم يعد كافيًّا عندهم حذف الحسابات والمنشور فقط.
تحكم جماعي تام بالسرديات والمصطلحات، احتلال للعقول، وسبب ذلك فرض الإديولوجيا الغربية فقط لا غير. لهذا نلاحظ القمع المتزايد للمتظاهرين الغاضبين وإتهامهم بـ “معادة السّامية”. جريمة هؤلاء أنّه يخرجون يوميًّا إلى الشّوارع لإظهار حقيقة ما يحدث في فلسطين، ولأنهم يعترفون بـ أحقية الشعب الفلسطيني في تحرير أراضيهم. اللافت كان إنتفاضة دوي البشرة الداكنة الأفارقة في الولايات المتحدة، الذين عبروا عن وحدة الحال مع الفلسطينيين. فشل بايدن في إقناع شعبه بأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة “يهدد الأمن القومي الأمريكي” على حدّ قوله، فثمة غضب عارم من إنخراطه في حرب أوكرانيا والآن الحرب على غزة، بسبب ما يستنزف ذلك من الخزينة الأمريكية. ويؤكد هؤلاء بأنّهم لن يصوتوا لـ بايدن في الإنتخابات الرئيسية في العام المقبل، خاصةً الأقليات المضطهدة والمسلمون والعرب.
العدو فشل في إقناع حلفائه بأنّه قادر على صناعة “نصر”! ناهيك عن الفشل في خداع الجماهير، وهذا بحدّ ذاته إنتصر للمقاومة. لهذا لجأ هؤلاء إلى “أكاديمييهم” الذين تحوّلوا إلى جنود مجندة في جيش الإحتلال -في ظلِّ غياب دور بعض الأكاديميين العرب الجبناء- حيث يقوم هؤلاء بتبرير جرائم الإحتلال.