عن أي عيد نتحدث في غزة؟
في غزة، الجراح لا تلتئم والأحزان لا تنتهي، وها هو عيد الأضحى هذا العام يأتي ليجد الغزاويين في أحلك الظروف وأصعب الأوقات، وسط حرب مستمرة يقودها الكيان الإسرائيلي، تغطي سماء القطاع بقصف مكثف وغارات عنيفة، وتترك الأرض مدمرة والبشر مكلومين، وشهادة الأهالي تكشف عن عمق المعاناة والحزن الذي يخيم على المكان، وتجسد الحياة الصعبة التي يعيشها أهل غزة.
“نحن نستقبل العيد، لا يوجد عيد، الحمد لله رب العالمين“
إن هذا ما قالته سيدة من غزة، مختصرة بكلماتها البسيطة حجم الألم والحرمان الذي تعانيه الأسر في القطاع، حيث كانت تتمنى أن تستقبل العيد بفرح وسعادة مثل كل عام، لكن هذا العام، عيدها هو عيد شهدائها الذين غادروا الحياة، تاركين خلفهم قلوبًا مجروحة وأرواحًا تئن تحت وطأة الحزن… إن الحياة هنا صعبة، وقاسية جداً، فالأم التي ترى أطفالها يتألمون، لا تملك سوى الحزن والحسرة.
“المصاب جلل“
وإن هذه الكلمات تأتي من رجل من غزة، يعبر بها عن ألمه وحزنه حيال ما يجري، فهذا العيد، والذي يُفترض أن يكون أحد أعظم أيام الله، تحول في غزة إلى يوم آخر من أيام الحزن والمعانا، ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني، يعيش الغزاويون حربًا بظروف كهذه، حيث حرمتهم هذه الحرب الظالمة من أداء مناسك الحج، ومن ممارسة سنة الأضحية، وهي من أهم الشعائر في الإسلام.
شهادة الأطفال :“لا يوجد شيء في السوق، لا بندورة ولا خيار ولا فول ولا أي حاجة”
وهذا ما قاله طفل صغير من غزة، معبرًا عن حالة الجوع التي تخيم على أهالي القطاع، حتى لو كانت هناك بعض المواد الغذائية، فإن الفقر المدقع يمنعهم من شرائها. “فش عنا حاجة”، عبارة تختصر واقع الحال في غزة اليوم.
ارتفاع حصيلة الضحايا
وكل هذا في وقت تستمر فيه عمليات القصف والمعارك بين الجنود الإسرائيليين والمقاومين الفلسطينيين، مما يزيد من عدد الضحايا يوما بعد يوم، ولقد أعلنت وزارة الصحة في القطاع أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى 37296 شخصًا، ومعظمهم من الأطفال والنساء، فالحرب لا تميز بين كبير وصغير، كلهم أهداف في هذه المعركة القاسية.
أزمة إنسانية عميقة
كما أنه وفي ظل القصف المستمر، يعاني سكان غزة من أزمة إنسانية عميقة، حيث تهددهم المجاعة في كل لحظة، فالسكان، والبالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، شردت الحرب 75% منهم، حسبما أفادت الأمم المتحدة، كما تقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 8000 طفل دون سن الخامسة يتعالجون من سوء التغذية الحاد، بينهم 1600 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.
“عن أي عيد نتحدث؟“
وبالتالي لا بد لنا من القول بأن هذه الحرب تركت أثرًا عميقًا على كل جوانب الحياة في غزة، ففي السابق، كان الناس يتزينون ويحتفلون بالعيد، ويشترون الحلويات والملابس الجديدة، ويذبحون الأضاحي ويوزعون اللحم على الفقراء، أما الآن، فلا مكان للفرح، ولا مظاهر للعيد، والناس منشغلون بالحفاظ على حياتهم والبقاء على قيد الحياة وسط الدمار والموت.
“حياة صعبة، بل قاسية“
وتعبر الشهادات المذكورة آنفاً عن حقيقة الوضع في غزة، حيث الحياة صعبة وقاسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى… إن الأطفال، الذين يجب أن يعيشوا طفولتهم بفرح وأمان، يجدون أنفسهم في مواجهة مع الحرب والموت والجوع، والأمهات اللواتي يفترض أن يسعين لتوفير الراحة والأمان لأطفالهن، يجدن أنفسهن عاجزات أمام هذا الواقع المرير.
“الحرب تقتل الفرح“
وفي الختام، يمكن القول إن الحرب في غزة لا تقتل البشر فقط، بل تقتل الفرح والأمل، وعيد الأضحى الذي يُفترض أن يكون عيد الفرح والبهجة، تحول في غزة إلى عيد الشهداء، عيد الحزن والكمد، حيث يتمنى أهل غزة أن يأتي يوم يعيشون فيه بأمان وسلام، ويحتفلون بالأعياد مثل بقية شعوب العالم، ولكن حتى ذلك الحين، سيظل عيدهم محملاً بالألم والدموع.
أي عيد في غزة؟ إنه عيد الحزن والفقد.