خلال القرن الـ١٥ ما قبل الميلاد، أسس الكنعانيون مدينة غزة. ثم توالى على احتلالها الفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين والعثمانيين، وغيرهم. وخلال فترة الحملات الصليبية، سيطر الأوروبيون على غزة، لكنها عادت إلى السيطرة الإسلامية بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي، وذلك في معركة حطين عام 1187. وتحت الحكم العثماني أسس فيها أول مجلس بلديّ عام 1893. وخلال الحرب العالمية الأولى، احتل البريطانيون غزة، حتى العام 1948 حيث أُديرت من قبل مصر. بعد انتصار 1967 وحتى العام 1993، سيطر كيان الاحتلال على قطاع غزة بأكمله، وصادر مساحات كبيرة من الأراضي لإقامة مستوطناته. ثم شهدت، في 1987، اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فاتخذ العدو إجراءات قمعية كـ الإعتقلات الجماعيّة، إغلاق المدارس، حظر التجول، الخ. وفي 13 سبتمبر 1993، جرى الاتفاق بين ياسر عرفات وإسحاق رابين على الإنسحاب من غزة، على أن تديرها السلطة الفلسطينية.
في أغسطس 2005، انسحب الاحتلال بالكامل من قطاع غزة، لكن القطاع ظلَّ محاصرًا برًّا، بحرًّا وجوًا. وفي يونيو 2007، حققت “حماس” فوزًا كاسحًا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية مما أغضب الاحتلال ودفعه لشنّ عدوان في نوفمبر 2008، ومنع إمدادات الكهرباء والوقود والأدوية مما زاد من معاناة السكان. جرت محاولات عدّة لإرسال سفن محمَّلة بالمساعدات الإنسانية وكسر الحصار لكن العدو منعها. وفي 29 مايو 2010، انطلق “أسطول الحرية” إلى القطاع لكنه تعرض في 31 مايو لهجوم البحرية الإسرائيلية مما حال ذلك دون وصول الأسطول. في 2012 و2014، شن العدو عدوانان إثنان على غزة لكنّ المقاومة الفلسطينية كانت بالمرصاد.
حين فشلت محاولات قريش في ثني النبي عن الدعوة إلى الإسلام، أجمعت على ضرورة محاصرته في “شُعب أبي طالب” ووضعه تحت ما يعرف اليوم بالإقامة الجبرية، حيث تعرض للمقاطعة والحصار التام. ظنّ هؤلاء أن أصحاب النبي محمد (ص) لن يصبروا، وبأنهم سيستسلمون بسبب الجوع، وصراخ الأطفال، لكن بعد مضي ٣ أعوام، انتهى الحصار، وانتصر المسلمون. الأمر ذاته يحصل اليوم في فلسطين. فقد عجز العدو الصهيوني عن لجم المقاومة الفلسطينية، لذا قرّر حصار غزة “المحاصرة” أصلًا. منع الطعام والماء، وراح يقتل النساء والاطفال والشيوخ. حتى إذا ما بقي أحدهم حيًّا ونُقل إلى المستشفى، فإن ذلك لا يحميه من القصف مجددًا. يظن العدو بأن أسلوبه الإجرامي سيدفع الفلسطينيين إلى الإستسلام والهروب إلى صحراء سيناء.
أسبوعان من الصمود والمقاومة؛ العدو يمعن في غطرسته، وعقابه الجماعي بضوء أخضر أمريكي. ما يقوم به الإعلام الغربي هو منح العدو الحق المطلق في قتل الفلسطينيين متجاهلًا كل الظروف القاهرة التي دفعت المقاومة الفلسطينية على القيام بالعملية البطولية في ٧ أكتوبر. المساعدات تعد ضمادة صغيرة لجرح واسع؛ غزة تعاني منذ ما قبل الحرب الحالية من ظروف إنسانية خانقة، فقر، بطالة، الخ. صورة الجيش الصهيوني لا يمكن ترميمها منذ ٢٠٠٦، والمقاومة الفلسطينية راكمت خبراتها خلال حربها على التكفيريين في سوريا، وأصبحت أكثر قوةً وقدرةً على ردع العدو. وقد رفعت من مستوى التنسيق بين سائر قوى المقاومة.
مرّ إسبوعان على حرب “طوفان غزة”، لم يحقق العدو هدفه، ولم تطأ قدما محتل صهيوني واحد قطاع غزة، وأقصى ما يمكن فعله هو الاستمرار في الإبادة الجماعية الجوية؛ مسار يضعنا أمام احتمالين إما توسع المعركة إلى حرب إقليمية، وإمّا وقف إطلاق النار لكن وفق شروط المقاومة. في كلتا الحالتين سيخرج أهل غزة منتصرين ويرددوا ما ردده المسلمون بعد خروجهم من شعب مكة “باسمك اللهم”.