القضية الفلسطينية وأزمة قطاع غزة تمثلان نقطة تحول في التاريخ الحديث، حيث يجتمع الألم والصمود والتحدي في قلب هذه الأرض المعطاءة، حيث تشكل غزة بموقعها الاستراتيجي المحاذي للبحر الأبيض المتوسط والمحاطة بالكيان الصهيوني وجمهورية مصر العربية واجهة للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يعيش سكان غزة تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ سنوات، والذي أدى إلى تدهور حاد وكارثي على مختلف الأصعدة ولا سيما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المياه النظيفة الصالحة للشرب والكهرباء، بالإضافة إلى قلة الفرص الاقتصادية والبطالة المرتفعة.
وبالإضافة إلى هذا الحصار، كانت ومازالت غزة تتعرض لهجمات متكررة من قبل قوات العدو الصهيوني المحتل، وهذا ما أدى إلى دمار هائل في البنية التحتية كما أدى إلى فقدان أرواح العديد من المدنيين الأبرياء، وبالتالي كان من شأن هذه الهجمات أن تزيد من معاناة السكان وتفاقم الوضع الإنساني المأساوي، والعالم صامت.
ولكن وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، ظلّ الشعب الفلسطيني في غزة مثابراً ومتحدياً، معتمداً على الصمود والتضحية للحفاظ على هويته وكرامته، وهذا مع استمرار الجهود الدولية والإنسانية الخجولة في تقديم المساعدات والدعم للسكان المتأثرين في ظل هذه الأوضاع الصعبة.
كل هذا أدى إلى اندلاع طوفان الأقصى والذي شكل نقطة تحول ليس فقط في التاريخ الحديث وإنما على صعيد كل الأزمنة التي عاشت فيها الشعوب ظلماً وطغياناً لتعطي صورةً جديدة وخلّاقة لكل حركات التحرر في العالم، حيث إن هذا الطوفان هشّم هيبة جيش الكيان الصهيوني وأعاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية للصدارة إقليمياً ودولياً.
فبعد مرور أكثر من 125 يوم على العملية البطولية للمقاومة وكذلك العدوان الصهيوني الفاشي على الشعب الفلسطيني لا بد لنا من الإشارة إلى أنّ كلام المقاومة كان واضحاً لا غموض فيه بأن الانفجار قادم لا محالة والأمر ليس إلا مسألة وقت في ظل استمرار هذه الحكومة الصهيونية الفاشية في سياساتها، والتي بُنيت على خُطة معتمدة منذ عدّة سنوات، تقوم على “حسم الصراع” بشكل نهائي لصالحها، وأنّ هذا الانفجار قد يتجاوز حدود فلسطين “وهذا ماجرى”، في ظلّ إصرار هذه الحكومة الفاشية على تحويل الصراع من صراع سياسي حول الدولة والعودة وتقرير المصير، إلى صراع ديني يستند إلى خرافات توراتيَّة وتلموديَّة في حقهم في الأرض والمقدسات.
وإن كل هذا تمّ تبليغه للجميع الذين صمّوا آذانهم، على اعتبار أن هذه تهديدات فارغة لا تستند إلى أي قدرات حقيقية على الأرض، ، بالإضافة إلى اعتدادهم بقوتهم المزعومة الذي دفعهم إلى اللامبالاة.
جاء الطوفان ليُغرق كلّ حلم صهيوني مستكبر واستمر تحت رايات الحرية والنصر والشهادة متجاوزاً كل التحديات والصعوبات والمآسي، فقد دفع الشعب الفلسطيني عامة وفي غزة خاصة الثمن الغالي الذي يفوق قدرة كل البشر على التحمل إلا أنه أفشل جميع مخططات العدو الغاشم ودمّر أحلامه محولاً إياها كوابيس عاشها ويعيشها هذا الكيان المحتل، وذلك بما يملك الشعب الفلسطيني من إيمان عميق وضمير صاحٍ رافعاً راية حق في الحرية وتقرير المصير مع وجود مقاومة باسلة ومبدعة فاجأت الجميع.
وإذا ما وقفنا على تداعيات هذا الطوفان لرأينا أنه كان من أهمها تعطيل مشروع التطبيع الكارثي الذي كان سينتهي حتماً بمحوِ القضية الفلسطينية، كما سنرى كيف أنّ هذا الطوفان أحيا في الشعوب ما كاد أن يموت وهو الأمل الكبير في التحرير والعودة وعودة المقدسات إلى حضن الأمة.
وحيث إن هذه المعركة كشفت زيف وهشاشة الكيان الصهيوني الذي عمل على تكريس معاناة أهلنا في غزة ليفرض عليهم التخلي عن مقاومتهم والخنوع لأهدافه الشيطانية فلم يسلم لا طفل ولا شيخ ولا امرأة من المدنيين الأبرياء، كما لم يسلم مشفىً ولا دار رعاية ولا حتى المدارس ولا مراكز الإغاثة، وكل هذا والعالم صامت كما هو متوقع فالخصم هو الطفل المدلل للشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، والعالم العربي متمثلاً بحكوماته دون أن يُعطي أذناً لشعوبه وفي أغلبه يرفع راية الخنوع والخضوع أو الصمت على أقل تقدير.
لحل الأزمة في غزة وتخفيف معاناة سكانها، يتطلب الأمر جهوداً دولية مكثفة لا خجولة كما هي اليوم وذلك لرفع الحصار ووقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي العمل على ضمان حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين عامة وفي غزة خاصة. باختصار، يجب أن تكون غزة في قلب الطوفان محط اهتمام المجتمع الدولي، ويجب على الجميع العمل بجدية لتخفيف معاناة سكانها وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بأكملها، ولكن ليس على حساب القضية ولا على حساب الشعب الفلسطيني.