في اليوم السادس لـ “طوفان الأقصى”، يبدو انتصار قوى المقاومة جليًّا للمراقب وبالتالي لا بدّ على المستوى العسكري والسياسي تثبيت هذا الانجاز ومواصلته. في المقلب الآخر، يبدو بأن الإدارة الأمريكيّة عاجزة عن ترميم الردع الصهيوني أي حماية مصالحها في غرب آسيا، وهذا ما يبرر نواياها بالتدخل المباشر. الأيام المقبلة ستحسم الحرب التحريرية، من سيعزز حضوره و وجوده، قوى المقاومة أم الكيان اللقيط. سقط مشروع التطبيع، المقاومة قويّة ومتماسكة وتدير معاركها بثبات أما الأداء الصهيوني ففاضح، وهذا يعني فشل التقدم التكنولوجي وفشل الدور الوظيفي للاحتلال وبناه المؤسساتيّة.
الغرب توحد لتقليل الخسائر الباهظ ة وهو على يقين بأنه لا يمكن هزيمة الفلسطينيين، لهذا يكذب إعلامهم ويختلق الأكاذيب كما فعلت الصحف البريطانية التي صاغت أخبارًا مفبركة لم يدعيها الإعلام العبري نفسه. وفي هذه التغطية محاولة خبيثة لتبرير المجازر الشنيعة التي يرتكبها العدو. فيما يخص الإعلام العربي بشأن ما يجري في فلسطين، حدث ولا حرج، أداء معيب، انحياز هابط، فللأسف تكمل بعض الماكينات الإعلامية الكبرى – خاصة تلك الممولة من قبل أنظمة التطبيع – وأبواقها مسار الجحود والعمالة تحت مسمى “الحياد” في محاولة لاأخلاقية لترويج الرواية الصهيونية على حساب الدم الفلسطيني، ولتبرير الوحشية الصهيونية. وتسكت هذه الأبواق الرخيصة عن الجرائم التي ترتكب بحقّ الصحافيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلاميّة في فلسطين بسبب فضحها لما ترتكبه آلة الحرب الصهيونيّة من إبادة جماعيّة بطيئة ومن استخدام للأسلحة المحرمة دوليًّا.
الاحباط والخزي لدى الصهاينة سيد الموقف، اتساع غير محدود لبقعة النار، حرب وجودية شاملة، انهيار فاضح، شلل وذعر، حكومة عاجزة، ما يزيد عن مليون محتل دخلوا الملاجئ، حالات من الإرباك داخل الكيان المؤقت وإخفاقات متوالية، اقتحامات لقرى وبلدات الضفة يقوم بها قطعان المستوطنين بحراسة جيش الاحتلال، كلّ هذا يعكس الفشل الصهيوني. من يتصدر المشهد إعلاميًّا وعسكريًّا واستراتيجيًّا هو الغرب وليس الصهاينة لأن هؤلاء يدركون بأن سقوط الكيان الغاصب يعني عجزهم عن كسر إرادة شعوب المنطقة وعجزهم عن فرض هيمنتهم ومشاريعهم الاستكبارية. السلوك الأمريكي ليس مستغربًا بل مرسخًا في عقيدة هذه الإمبراطوية الإمبريالية العنصرية. فهذا الكيان الوظيفي وجد من الأساس لحماية المصالح الغربية حتى لو كلف ذلك إبادة عائلات بأكملها كما يجري الأن في غزة. همجية وهستريا ووقائع تؤكد إزدواجية المعايير الغربية والنفاق الغربي المتعاطف مع الصهاينة. الأمريكي يبحث عن انجاز يذكر في الميدان والمقاومة الفلسطينية سيبدو بأنها تعد الكثير من المفاجأت فيما باقي ساحات المقاومة جاهزة، وبالتالي فالأمريكي يريد شيئًا صعب المنال إذ تجنب ويتجنب مرارًا الحرب الإقليميّة. فأحد السيناريوهات الواردة بشأن تدخل حزب الله يتطلب ذلك توفير قوة كاملة للشمال، ناهيك عن دخول أنصار الله وجبهات المقاومة العراقية على الساحة وغيرها من قوى المحور.
كما أن العدو لا يجرؤ على الاعتراف بحجم الخسائر حتى اللحظة، قتلى وأسرى، واقع مختلف عن كل الحروب السابقة وتأكيد على مقولة “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”. سقطت كل الأوهام. العدو ضعيف ومخدّر. لا أهداف معلنة عنده للحرب. المعركة معركة تحرير، هي لحظة أمنية وسياسية تاريخية في ظلّ تصاعد العدوان الصهيوني والحصار، ناهيك عن الوقاحة والعربدة العربية و الهرولة المشينة في التطبيع والخنوع للمحتل. ما يجري على الحدود كذلك يثبت جهوزية حزب الله التامة لردع العدو الصهيوني واعتداءاته المتواصلة لا سيما على المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال. يعترف المحتلون الصهاينة بأن لا أوراق لديهم للضغط على المقاومة، وبأنهم وقعوا في معضلة كبرى وفي مواجهة متعددة الجبهات بسبب غرورهم وفشل حكومتهم. فقدان تام للثقة، غطرسة وكبرياء وخداع، وانهيار للروح “القوميّة” بين المحتلين. المليارات لم تنفعهم في إضعاف روح الصمود لدى الفلسطينيين. ولهذا السبب فهو يمعن في سفك دماء الصهاينة وفي تجويع الأسرى في المعتقلات.
مهما وكيفما اتخدت الحرب من مسارات، فإن عملية “طوفان الأقصى” خلقت واقعًا جديدًا يستحيل معه العودة إلى المعادلات السابقة ولن يسعف الكيان المؤقت أي دعم غربي أو أمريكي لأن قوة الردع الإسرائيلية تهشمت في المنطقة عمومًا. فقد صرحت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إن الحرب الحالية تهدد بإضافة المزيد من القتامة على أفق الاقتصاد العالمي الغائم بالفعل. وأضافت “نراقب عن كثب كيف سيتطور الموقف، وكيف يؤثر في الأوضاع خاصة أسواق النفط”. كما صرحت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إن الوضع في الكيان المؤقت يثير مخاوف إضافية على الاقتصاد الأميركي. من جانبه، قال رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، إن “الصراع بين إسرائيل وغزة صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة، إذا انتشر ذلك الصراع”.
العدو بحسب الوقائع يدرك بأن قوى محور المقاومة ليست على الحياد ولا تخشى التهويل والتجييش الدولي، وتتعمد عدم إظهار سقف التدخل وحجم الرد خاصةً في حال التدخل الأمريكي، وهي مرارًا وتكرارًا تؤكد بأنّه من غير الممكن الاستفراد بساحة دون آخرى. هواجس عالية تطغى داخل كيان الإحتلال فضلًا عن خوف من المفاجاءات التالية التي تخفيها المقاومة حتى اللحظة، إيمانًا راسخًا منها بحتمية ومشروعية تحرير فلسطين وكل الأراضي المحتلة. فمن خطط لعملية السابع من أكتوبر على دراية بكل السيناريوهات. هنا لا بد من التذكير بأن المقاومة الفلسطينية اليوم أظهرت قدرتها وجهوزيتها التامة للحضور فهم أصحاب القضية، لديهم إحاطة استخبارتية استثنائية، لديهم تنسيق تام وسري للغاية رغم كل العوائق المفروضة عليهم. كذلك فإنّ المقاومة الفلسطينية تبدو حاضرة لقيادة حرب طويلة ستشترك حتمًا فيها الضفة الغربية أيضًا. فالكارثة الإنسانيّة في قطاع غزّة تتعاظم ورهن للمزاج الإسرائيلي الإنتقامي العدواني، وهو وضع خانق، فضلًا عن عدد الأسرى الفلسطينيين المتصاعد في سجون الإحتلال، وما يعانية هؤلاء من انتهاكات إنسانية.