هجوم المارينز عام 1983 كان بدايةً لسقوط المشروع الصهيوإمبريالي، وهو إنجاز تراكمت مفاعيله، وأكد بأن الكيان الوظيفي ليس سوى “أوهن من بيت العنكبوت”. أربعون عامًا من الفشل الأمريكي في إستخلاص العِبر والدروس، يومها أريد للفكر المقاوم بأن يتحول إلى فكر خضوع وخنوع ونسيان القضية الفلسطينية. 3 أشهر من الحصار البري والبحري والجوي لكنهم أصيبوا بـ خيبة كبرى تمامًا كما هم اليوم، فالمقاومة تواصلت وتعاظمت. واليوم، وبعد عملية “طوفان الأقصى” نلاحظ كيف حشدت واشنطن كلّ قواها، بل إن بايدن -بكل وقاحة- كشف عن دعمه المطلق للعدوان على غزة. وهكذا فعل القادة الغربيون الذين يواصلون إرسال الضباط والنخب والأسلحة وحاملات الطائرات لحماية كيان الإحتلال، الذي مرغ بضعة مقاتلين في غزة أنفهم بالتراب.
قبل 7 أكتوبر، بدا المشروع الأمريكي مأزوم وعاجز عن التحكم بجيوإستراتيجية غرب آسيا. والآن تضاعف هذا العجز والفشل الأمريكي. يعجز الأمريكي عن تشكيل نظام إقليمي جديد، الكيان الصهيوني ضعيف، إتفاقيات التطبيع فشلت، قوى محور المقاومة تزداد تعاونًا. نكسة 1967 التي تجرّعها العرب هي نفسها التي تجرّعها الصهاينة في عملية “طوفان الأقصى” التي أثبتت أن عز وتصميم المقاومة تهزم أحدث التقنيات الأمنية والعسكرية. العدو اليوم يتحاشى الحرب الكبرى في ظل تصميم محور المقاومة على ردعه.
في ظلّ الضعضعة التي يعاني منها جيش العدو يؤكد قرب سقوط كيانه المؤقت وفق مقولة “إسرائيل جيش أنشأت له دولة”، فلا هو يجرؤ على الإجتياح البري، ولا الأمريكي قادر على إيجاد حلّ. ترتفع حالات الإنتحار في صفوف جيشه، ترتفع طلبات الترحيل، وهذا يؤكد حجم الهزيمة التي يقاسيها. ناهيك عن تراجع الثقة بالحكومة في الأوساط الصهيونية. في غزّة مدن تحت الأرض، ستصيبهم هزيمة نكراء، سيذلون مذلة غير مسبوقة في تاريخ المقاومة، سيتصاعد قصف المستوطنات. “رمال غزة ستبتلع عدوها” كما توعد أبو عبيدة. سياسة الأرض المحروقة، القصف الجوي الإجرامي ومنطق الإبادة فشلا في تحقيق مؤامرة تهجير أهل غزة إلى صحراء سيناء.
يتحاشى الأمريكي الحرب مع حزب الله، الظروف السياسية مختلفة جدًّا عن 2006 وعن ظروف حرب سوريا. هذا ما يؤكدّه موقف وليد جنبلاط، فالمزاج الشعبي اللبناني يجمع الآن على أن المقاومة خيار مشروع دفاعًا عن البلد، كما أن اللبنانيين متمسكون بـ “حق العودة” لللاجئين الفلسطينيين ورفض التوطين وكذلك رفض التطبيع. كذلك عبر خطباء دار الفتوى السني الذين أجمعوا على دعم المقاومة. هذا بحد ذاته انتصار على محاولات تأجيج الفتن الطائفية. غضب عارم في لبنان ضد جرائم الصهاينة.
الجديد حاليًّا هو الحديث عن عزم المقاومة الفسطينية إستخدام “السلاح الكيميائي” مما أثار سخرية واستهزاء المراقبين، وفضحهم بأن هذه الكذبة تعتمد على وثيقة تعود إلى 20 عامًا لدى القاعدة، وهي ذاتها التي سيقت خلال الحرب سوريا. يجتهد العدو الصهيوني في إكتساب عواطف الغرب، تشيطن المقاومة، الكذب والفبركة، لكن العالم متغير ومتحوّل رغم كل التلفيق والفبركة إلى دعم الشّعب الفلسطيني. سقطت إتفاقيات التطبيع في شرعنة الوجود الصهيوني، كذلك فضحت عجز كيان الإحتلال عن حماية نفسه ومصالحه. كما أن ذوي المعتقلين الفلسطينيين اليوم أكثر ثقة بقرب لمّ الشمل وتبييض السجون.
نشأنا في المدارس على أن الغرب المتحضر راعي الحريات والقيم لكننا صدمنا بواقعٍ مختلفٍ جدًّا، لمسنا عنصريةً لا مثيل لها في التعاطي مع القضية الفلسطينية ليس فقط اليوم، إنما منذ ١٩٤٨. هذا يؤكد أيضًا بأن لا قيمة سامية في عالمنا اليوم إلا قيمة القوة والمقاومة، وهذا ما فرضه اليمنيون، حزب الله، المقاومة الفلسطينية وغيرها من المقاومات المماثلة.
إن توصيف المقاومة بــ “داعش” مثير للسخرية، فرنسا من ضمن ٨٠ حكومة غربية خلقوا في أقبية الاستخبارات” داعش”، كما أقرت كلينتون . ماكرون (إيمانيول كما خاطبه نتنياهو متجاوزًا كل البروتوكولات الدبلوماسية) دعا لتشكيل تحالف ضد “إرهاب” المقاومة الفلسطينية، وهو بطبيعة الحال ليس سوى مراهقة سياسية فاشلة.
على من يراهن هؤلاء؟ اليوم البيئة “السّنية” أظهرت بأنها غير مرتبطة بسياسة الأنظمة، إنّما فقط بـ “فلسطين”. شاهدنا كيف خرجت حشود الناس والعلماء معبرين عن نصرة المقاومة الفلسطينية.
أما أهالي غزة، فقد أثبتوا فشل الرهانات على كسر إرادتهم وفرض تهجيرهم، فهم أبناء تاريخٍ عريقٍ من الصمود والصلابة والإيمان والتنوع الحضاري والثقافي.
صفّق ماكرون للقاتل، وشرّع جرائمه، فهو حريص على استرضاء واشنطن لحفظِ مصالحه وصفقاته. عقائديًّا، ماكرون “صهيوني” بامتياز، محكوم بالفكر الماسوني (المال + السلطة)، الذي يديره اللوبي الصهيوني في فرنسا بقوّة.
أول إنتصار حققته المقاومة الفلسطينية في عملية “طوفان الأقصى” هي القضاء على خرافة “غلاف غزة”، فلن تعد هذه المستوطنات المحتلة مأهولة، بل بقعة “أشباح” مهجورة، لأن محتليها على يقين تام بأنها ليس لهم. أما أبطال المقاومة فهم دخلوا أرضهم الأصيلة، التي يحفظون تفاصيلها وتضاريسها تمامًا.
بدوره أمين العام للأمم المتحدة كسر الصمت وعبّر عن شيء من نقمته على ما يجري في غزة، مؤكدًا على مخالفة كيان الاحتلال لقوانين الحرب. هذا أثار غضب الصهاينة الذي يطالبونه بالاعتذار أو الاستقالة. رغم أن غوتيريش من هذه المنظمة الدولية المستكبرة، فهم لم يقبلوا حتى بالاستماع إلى نقده. هذا مجددًا يؤكد أحقية “فلسفة القوة” التي تنتهجها المقاومة وتراكمها. “فلسفة القوة” هي التي نرتكز عليها الآن كشعوب وليس المنظومات الدّولية المنافقة. فــ “طوفان الأقصى” أحدث تغييرًا جيوبولوتيكيًّا ا يمكن إنكاره بعد اليوم. اتفاقيات التطبيع سقطت والشعوب مصرّة على طرد السفراء. المقاومة اليمنية والعراقية والسورية تشكل “قلقًا بالغًا” على واشنطن بعد انخراطها في عمليات الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وذلك بالتنسيق فيما بينها.