في 7 تشرين الأول/اكتوبر شَنَّت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام -الجناح العسكري- لحركة حماس هجوماً بطولياً على مستوطنات غلاف قطاع غزة، أدى إلى مقتل 1400 إسرائيلي و أسر أكثر من 200 ما يزال معظمهم في الأسر، الأمر الذي أثار ردَّاً وحشياً همجياً من قبل الجيش الإسرائيلي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 23,000 من الفلسطينيين أغلبهم من الأطفال والنساء، وتهجير مئات الآلاف بعدما سَوَّت إسرائيل شمال و وسط قطاع غزة بالأرض. آثار ونتائج هذه الحرب هي كبيرة جداً على قطاع غزة خصوصاً و الفلسطينيين عموماً ولكن سيكون لها تداعيات في جميع أنحاء المنطقة.
الرد الانتقامي الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، أثار غضب الأردن بشكل كبير، حيث أنّ المملكة الأردنية تجد نفسها على خط مواجهة مجموعة معقدة من التحديات الداخلية والخارجية تفرض على المملكة الأردنية أن تستعد لصراع أوسع و ارتدادات كبيرة متعددة.
يعيش في الأردن أكثر من مليوني فلسطيني أو ما يقارب 40% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين المسجلين. ومنذ بدايه الحرب خرج الآلاف من الأردنيين إلى الشوارع يومياً في عمّان و في جميع أنحاء البلاد في مسيرات مؤيدة للفلسطينيين نظمتها أحزاب المعارضة للتعبير عن غضبهم الشديد والتنديد والاحتجاج على حملة القصف الإسرائيلي والتوغلات في قطاع غزة.وحاول بعض المتظاهرين الشباب اقتحام السفارة الإسرائيلية بينما طالب آخرون السلطات الأردنية بفتح الحدود حتى يتمكنوا من الانضمام إلى القتال من أجل تحرير فلسطين.
ويواجه الملك الأردني عبد الله الثاني دعوات متزايدة لطرد الدبلوماسيين الإسرائيليين وإلغاء اتفاق السلام الأردني مع إسرائيل.
يتصارع الأردن مع الأبعاد المتعددة للصراع المتصاعد بسرعة. فعلى الصعيد الداخلي، سعت السلطات الأردنية إلى احتواء الاحتجاجات. ومنعت وزارة الداخلية التجمعات والتظاهرات في الأغوار والمناطق الحدودية. وفي وقت سابق، أطلقت الشرطة الأردنية الغاز المسيل للدموع لتفريق الآلاف من المتظاهرين المحتجين في منطقة محيطة بالسفارة الإسرائيلية.
شبح التهجير القسري للمزيد من الفلسطينيين من الضفة الغربية يشكل هاجساً للأردنيين بسبب التداعيات الخطيرة التي سيحدثها. فالمستوى المرتفع جداً في الأصل للمعارضة الشعبية لإسرائيل يخاطر بإجبار الحكومة على إعاده النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما أنَّ الواقع الديموغرافي الجديد الذي سيتمثل في تحول الأردن إلى دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع من شبه المؤكد أن يزعزع استقرار النظام السياسي الذي يمنح تاريخياً حظوة أكبر للأردنيين من أصول غير فلسطينيه، ويزيد من تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة أصلاً نتيجة الفساد واللامبالاة من جانب المسؤولين الحكوميين والعائلة المالكة نفسها، وأيضا نتيجة لفشل الاقتصاد الأردني في استيعاب الصدمات الخارجية المتعاقبة وتحديداً جائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث بلغ معدل البطالة 22.3% في الربع الثاني من عام 2023. وأكثر من 40% لمن تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً. واستمرت أسعار الفائدة في الارتفاع نتيجه لفترة متواصلة من ارتفاع معدلات التضخم وربط العملة الأردنية بالدولار الأمريكي، وهذا يزيد من الضغط على دخل الأسر، فيما لا تزال أسعار السلع الأساسية مرتفعة، وفي الوقت نفسه ظل نمو الأجور راكداً على نطاق واسع. وتضخم الدين العام إلى نحو 110% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي و بالتالي فرض عبئاً ثقيلاً على احتياطات البلاد من العملات الأجنبيه.
في مواجهة أزمة المياه المتفاقمة والنقص المحتمل الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، كان الأردن يقترب من وضع اللمسات النهائية على اتفاق ملزم بشأن مقايضة المناخ مع إسرائيل. وتتوخى المبادرة التي يطلق عليها اسم مشروع الازدهار والتي ترعاها الإمارات العربية المتحدة بيع المياه المحلاة للأردن من إسرائيل وشراء إسرائيل الكهرباء الخضراء من مزرعة للطاقة الشمسية بتمويل إماراتي في الأردن. وعلى الأرجح ستؤدي حرب غزة على الأقل إلى تأجيل هذا المشروع إن لم يكن إيقافه.
استمرار الحرب في غزه سيؤدي إلى انخفاض حاد في السياحه والاستثمار الأجنبي، فضلاً عن تعطيل التجارة عبر الحدود، حيث أكد وزير السياحة الأردنية أنّ القطاع السياحي في الأردن سيتكبد خسائر تتراوح بين 250 إلى 280 مليون دولار شهرياً مع إلغاء حجوزات تصل إلى 60% .
منع أنصار قوات الحشد الشعبي العراقية شاحنات ناقلات النفط من العبور إلى الأردن، قائلين أنهم لن يسمحوا بتصدير النفط العراقي إلى الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
الممر الاقتصادي متعدد الوسائط بين الهند والشرق الأوسط و أوروبا والذي سيمر عبر الأردن، يمكن أن يصبح ضحية للحرب في قطاع غزة.
كما أنّ للأردن هاجس إضافي بصفته الوصي على الأماكن الإسلامية و المسيحية المقدسة في القدس، فإذا أحدث القتال في قطاع غزه انفجاراً في القدس والضفة الغربية، فإنّه سيعرض للخطر الدور الفعال للأردن في إدارة هذه الأماكن و يشعل الغضب الشعبي. خلاصة القول، أنّ الأردن ينتظر التداعيات، حيث لا يتمتع بنفوذ كبير ولا يملك سوى القليل من الخيارات.