التاريخ يعيد نفسه – القضية-

التاريخ يعيد نفسه – القضية-

ما بين منطوق لم يُقصد ومقصود لم يُنطق ضاعت المعاني، كذلك بين حق لم يُستعاد واستعداد لم يتحقق ضاعت القضية، وأيّ قضية؟!!… إنها القضية التي نشأنا على أنها قضيتنا الأولى والأساسية وهي كذلك بالفعل بالنسبة لنا ولكن هل هي كذلك بالنسبة لمن أنشأنا هذه النشأة؟!!

عندما نستعرض واقع هذه القضية منذ نشأتها أي منذ ذلك الوعد المشؤوم / وعد بلفور / وحتى الآن كثيراً ما نمرّ على أحداث متشابهة وكأنها حدثٌ واحد، ولكن باختلاف الزمان والأشخاص فقط، أما المكان فهو فلسطين المحتلة فمن نكبة إلى نكبة ومن مأساة إلى أخرى، ومنذ عام 1948 وهي محطٌّ لكل البؤس والشقاء تزامناً مع تنفيذ ذلك الوعد باستقدام أكبر عدد من اليهود الصهاينة إلى تلك الأرض لتبدأ المعاناة، ويبدأ سيل الدم تحت أنظار العالم أجمع والعرب على وجه الخصوص رغم كثرة عديدهم ورغم كثرة تنديدهم، فلم نرَ إلا ردود أفعال خجولة تكاد لا تُرى ولا يسمع لها صوت حيال هذه النكبة على أرض الواقع، ولكن أصوات قد تعلو بالشجب والاستياء فقط  فكما يقال نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.

واستمرت القضية على هذا النحو وتعوّد الجميع على الواقع الجديد حتى أصبحنا لا نتفاجأ بأيّ فعلٍ أسود جديد يقوم بها هؤلاء على تلك الأرض الطاهرة وكأنه فعلٌ طبيعي وعادي، فمن هو سبب تلك النتيجة؟!! وللأسف فالتاريخ يعيد نفسه، وأكبر مثال على ذلك ما يحدث في غزة اليوم، فمنذ يوم السابع من تشرين الأول لحظة انطلاق طوفان الأقصى وهي مسرحٌ  لأبشع الجرائم بحق الإنسانية جمعاء…. نهضت لتنفض عنها غبار تعب سنين طِوال فباءت بما هو أسوأ بكثير في ظلّ صمتٍ عام دولي وعربي، وكأن الأمر منوط بها فحسب متناسين أنّ الإنسان هو الإنسان في أيّ مكان وفي أيّ زمان، ورغم ذلك فأخبارها تتصدر شاشات التلفزة والصفحات الأولى في الصحب العالمية والعربية لتنقلَ هذه الوقائع الوحشية والحرب القذرة مُرفقة بالشجب والتنديد فقط، فمنذ السابع من تشرين الأول وحتى اليوم وها قد مضى أكثر من سبعين يوم على تلك المأساة…… يستيقظ أهل غزة كلّ صباح يشعرون بالامتنان لأنهم تمكنوا من البقاء على قيد الحياة ليومٍ آخر أشدّ سوءاً…. سبعون يوماً عاشوها مُحاطون بالموت والدمار واليأس فلا أحد يمكنه وصف ذلك العدوان المستمر والضربات الجوية والبرية والبحرية على قطاع غزة والصراع من أجل البقاء، فلا مكان آمن فيها ومن المضحك المبكي ونحن نعيش أسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث أن نسمع البعض يدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بدلاً من السعي إلى الوقف الكامل والدائم له إذا لم يكن في المقدور ردّ النار إلى أصحابها….. سبعون يوما لم يبق شيء يُذكر…. لم يُبقِ ذلك القصف العشوائي على شيء، فكل شيء تمّ استهدافه بهمجية لا توصف، فلا مستشفيات سلمت ولا مصادر مياه ولا غذاء ولا دواء ولا وقود ولا أي شيء، فكأن كل شيء يسير وفق منهج منظم لضرب البنى التحتية والموارد الرئيسية، فعن أيّ وقف لإطلاق النار يتحدثون وعن أيّ هدنة إنسانية يتكلمون، وكيف تكون الهدنة إنسانية وأحد طرفيها أعتى من الوحوش، وأي إنسانية في القتل والجوع والتشرد والأنقاض والركام؟!!… لذلك من البديهي عندما نريد أن يكون هناك هدنة أن يكون هناك سعياً حثيثاً لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، ولوقف جميع أشكال العدوان الوحشية على القطاع، وبعد ذلك يمكن لنا لملمة ما تبقى من شتات وإعادة بناء ما يمكن بناؤه، وإنْ لم يتحقق ذلك فستبقى كل هذه المطالبات والنداءات مجرد شعارات واهية لا تُشبع من جوع ولا تُغني من فقر.

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال