عشرةُ أيامٍ مضت على ملحمة “طوفان الأقصى” التاريخية؛ أبو عبيدة تحدث عن ٢٥٠ أسير صهيوني غالبيتهم من ألوية “النخبة”. العدو يظنّ أنّه سيشكل عبر الاجتياح البريّ حالة من الضغط “الإنساني” لتخفيفِ خسائره، لكن كلّ قوى المقاومة الفلسطينية اختبرته مرارًا، وتعرف بأنه جيش كرتوني هش وعاجز وواهن، لا يجيد إلا قتل الاطفال والنساء بالسّلاح والدعم الأمريكي المطلق. خطاب قيادة العدو وتهديده ووعيده دليل ضعف، يطلقه من الملاجئ، فيما المقاومة الفلسطينية مصرّة على حلحلة ملف الأسرى الفلسطينيين، وإدخال الفرحةِ على قلوبهم، كما وعد أبو عبيدة في كلمته. أكثر من ٥٠٠٠ أسير فلسطيني يكابدون اليوم إنتقامًا همجيًّا ممنهجًا وتعديًّا على حقوقهم الإنسانيّة فقط لأن العدو تلقى صفعة مؤلمة، وفشل في ابتزاز المقاومة وشعبها. هؤلاء الأسرى الفلسطينيون محكومون ظلمًا أحكام مديدة مغلّظة، تتناسهم عمدًا المنظمات المسماة “حقوقية”، وتتناسى أنين أمهاتهم وعوائلهم.
حرب عدوانية أسقطت كل الحلول السياسية الفارغة، وستفرض بالتالي قواعد جديدة في الصراع. أهل غزة مرغوا أنف العدو بالتراب، قصفوا العمق الصهيوني، وقالوا للعالم نحن بما لدينا من سلاح متواضع قادرون على التحرير. لا جدوى من التطبيع مع عدو، اتفاقيات دجل وخداع، فالعدو محتل لأرض فلسطينية عربية أصيلة، ومن غير الممكن التعايش معه.
حتى اللحظة، جيش الإحتلال يأبى دخول غزة. أدواته التكنولوجية والأمنية والعسكرية جاهزة لكن “جنوده” يفقدون الإرادة، قياداته ساذجة، عاجزة عن تخطي كمائن المقاومة الفلسطينية الموحدة ومفاجأتها، والتي تنسق أولًا بأول مع قوات حزب الله على الحدود مع الأراضي المحتلة شمالًا. كل ما يقوى عليه هو سفك الدماء وإرتكاب الإبادات، والعالم: صم، بكم، عمي.
الإعلام الغربي عنصري ومشين وهاتك لكل أخلاقيات الصحافة، يستغل إمبراطورياته الكبرى وخوارزميات منصات الإعلام البديل ليشيطن مقاومة محقّة وشرعيّة، وليبرر الإبادات النازية التي ترتكب بحق الرضع في غزة. في الغضون، يصمت إزاء إغلاق المعابر، وصدّ المعونات الإنسانية، ونوايا الاحتلال بشأن تهجير السكان الأصليين وتوطنيهم في وطنٍ بديل برعاية أمريكية واضحة وصريحة. هو طوفان إعلامي ضخم، سرديات كاذبة، خداع، تضليل، اجتزاء للمعلومات، استغلال بشع للذكاء الصناعي، فقط لشيطنة أحقية شعب فلسطين في النضال والدفاع عن حقوقه.
٨٠ % من ضحايا مجزرة مستشفى المعمداني هم من النساء والاطفال، الذين لجأوا إلى المشفى بإعتباره موقع محرم دوليًّا إستهدافه. الإعلام الغربي العنصري تبنى سردية الإحتلال الذي تنصل من جريمته الفادحة متهمًا بها المقاومة الفلسطينية واصفًا الحدث بأنّه “انفجار” وليس “قصف جوي”. فضلًا عن وصف الضحايا بأنهم “ماتوا” وليس “قتلوا”.
كذلك تجنب ذكر لفظة “المعمداني” نظرًا لأن ذلك تعدٍ على مركز صحي تابع للكنيسة. قبول الكيان الصهيوني بالتحقيق هو للتوظيف الإعلامي كما حدث بشأن لجنة “كاهان” التي نشرت في 7 شباط 1983 تقريرًا خلُصَت فيه إلى أنّها لم تجد أدلَّة لأيّ تورُّط مباشر للعدو في “مذبحة صبرا وشاتيلا” الشنيعة. إذ يعد قبول العدو بالتحقيق تفوق أخلاقي وتعبير عن “ديمقراطيته”!!
الأكاديمية اليهودية الليبرالية جوديث بتلر لطالما إنحازت لهذه السردية، كذلك فعلت الأكاديمية نعومي كلاين، وهذا خضوع تام للدعاية الإعلامية الكاذبة وتأثر واضح بما يعرف بـ وثيقة “قاموس اللغة العالمية” الذي رعاه اللوبي الصهيوني لإستغلال النخب والمؤثرين بما يخدم مصالحه، وتبرير جرائمه، من خلال التأثير السيكولوجي على المتلقي. وهذا يذكرنا بفبركة سردية “الخوذ البيضاء” في سوريا.
الرئيس الأمريكي شخصيًّا شارك في حملة التضليل هذه. رغم أن الجرائم يتم تغطيتها مباشرةً على الهواء، فقد تم تجنيد بايدن لتبني السردية الصهيونية الكاذبة.