ست وسبعون عام مضت على النكبة والمعتدي هو المعتدي والضحية هي الضحية فما أشبه اليوم بالأمس، فبعد مرور ما يزيد على سبعة أشهر من الحرب الدموية الوحشية التي يمارسها الكيان الصهيوني المحتل على قطاع غزة تمر ذكرى النكبة فنحياها ولا نتذكرها فما يحصل اليوم في فلسطين المحتلة هو نفسه ما حدث في عام 1948 مع تغير الأشخاص فقط… ثمانية عقود مضت وما يزال الكيان المحتل يمارس كل أنواع الوحشية والظلم والاضطهاد ويحاول إثبات عدالة قضيته للعالم على كافة المسارح، والذي يصم آذانه عن كل ما يحدث في فلسطين من حرب إبادة جماعية وتهجير في الوقت الذي لا تحتاج فيه القضية إلى الكثير من التفكير حتى تتبين مظلومية الشعب الفلسطيني الذي استبيحت أراضيه وأُخرج منها ظلما وجوراً والذي عرض أيضاً مظلوميته على كافة المسارح في العالم والذي تناقضت مواقفه ما بين مؤيد للحق الفلسطيني وبين مدافع عن الظلم الصهيوني، وقد تنوعت هذه المسارح وتعددت منصاتها وتلونت منابرها فكانت إما سياسية أو دبلوماسية أو قانونية أو ثقافية وفنية وإعلامية واجتماعية وكلها متاحة لجميع الأطراف لطرح الحجج وإثبات الحق فينتج عنها تسجيل نقاط وكسب أنصار وإحراز انتصارات، وامتد الصراع واتسع ليخرج إلى تحزبات وتكتلات مناصرة لكل طرف على حدى وهذا ما نتج عنه تشكل معسكرين متضادين عالميين تعاظم أمرهما مع تطور الأحداث ومرور الزمن، فالاحتلال الاسرائيلي حرص عبر الزمن على تبرئة نفسه مما حدث عام 1948 وقدم نفسه على أنه الحمل الوديع أمام العالم سواء بإنكاره ما ارتكبه من مجازر ومذابح بحق الشعب الفلسطيني على كافة الأراضي الفلسطينية أو حتى بإعفاء نفسه من مسؤولية تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ويُعزي سبب التهجير إلى عوامل خاصة بالشعب الفلسطيني خاصة والعربي بشكل عام مستغلاً في كل هذا وعلى مدار سنوات توالت بعد عام النكبة أمراً هاما ألا وهو غياب الإعلام الحقيقي في تلك الفترة وغياب التوثيق التاريخي الصحيح وكذلك شتات الشعب الفلسطيني وعجزه الكامل وضعفه ولا سيما في ظل انعدام الدور العربي الذي كان من المفروض أن يكون الداعم الأكبر له في مثل تلك الظروف للوقوف في وجه المعتدي الغاصب.
إن الدعم المطلق الذي حظي به هذا الكيان الغاصب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدول الغربية بشكل عام أي المعسكر المؤيد لقضية الاحتلال عمل بجد وبشكل منقطع النظير على تثبيت وتعزيز عدالة قضية هذا الكيان في فكر وضمير شعوبهم، الأمر الذي جعل من هذه الأكاذيب التاريخية تستقر وتتنامى بشكل مطلق في أذهانهم لفترات طويلة حتى وصل الأمر عند شعوب الغرب لاعتبار الكيان الصهيوني هو الضحية وهو المظلوم أمام ما أسموه الإرهاب العربي الفلسطيني المتجذر أصلاً في صلب كيانهم، وباتوا ينظرون إلى الاسرائيليين على أنهم هم المشردين والمهجرين الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد من محتليهم الفلسطينيين الذين هم بالحقيقة أصحاب الأرض، وحرص المعسكر الغربي دائماً على إظهار وتبيين حجة الطرف الآخر في الصراع وهو الشعب الفلسطيني ثقافياً وإعلامياً وفكرياً أمام شعوبهم ليبقى لهم المبرر بدعم الكيان الاسرائيلي المرتبط بمظلوميته أمام تلك الشعوب.
لكن عدالة القضية الفلسطينية وإصرار شعبها على امتداد السنين منذ نكبة 1948 ورغم شراسة هذا الكسان وضراوة المؤامرة وجسامة التحديات أسهم في أن تبقى هذه القضية حية وأبقى على وجودها وحال دون إنهائها وأصبحت ذات حضور قوي في الفكر والضمير العالمي. وما يحدث اليوم في قطاع غزة ما هو إلا دليل واضح وحجة قاطعة تثبت بشكل لا يقبل الشك ما وقع من مجازر في عام 1948 ويُعطي صورة واضحة للعالم عن هذا الكيان وعن حقيقته الإجرامية المتأصلة والمتجذرة فيه… الأمر الذي جعل من عدالة القضية الفلسطينية لا تحتاج لأدلة إثبات مع ما يراه العالم أجمع من هذه المشاهد والجرائم الوحشية ويعيش تفاصيلها يومياً، وهذا ما أدى إلى تعديل وتغيير معظم شعوب العالم لأفكارهم بالنسبة لهذا الكيان بعد أن انكشفت صورته لهم واضحة جلية بما تحمله من وحشية وهمجية، وأخيراً وليس آخراً فبعد مرور ثمانية عقود على تلك النكبة والشعب الفلسطيني ما يزال يحيى هذه الذكرى ويحياها لتبقى في ذاكرة الأجيال حتى لا ينسى أصحاب الحق حقهم في استعادة أراضيهم كاملة وتحريرها من رجس ودنس هذا المحتل الغاصب ورداً على شعارٍ رفعه قادة هذا الكيان: بأن الكبار يموتون والصغار ينسون.