في فجر السابع من الشهر المنصرم استفاق العالم على عملية نوعية كبيرة نفذها بضعة من مقاتلي المقاومة الفلسطينية وأسموها عملية طوفان الأقصى، حيث اقتحم المقاومون مستوطنات غلاف قطاع غزة و مواقع الجيش الإسرائيلي المتواجدة هناك بعدما اخترقوا كل التحصينات الإسرائيلة التي نصبها الكيان الإسرائيلي حول الغلاف، وقام هؤلاء الأبطال بالسيطرة على تلك المستوطنات وقتلوا و أسروا كثيراً من أفراد الجيش الإسرائيلي و اقتادوهم مُكَبّلين إلى أماكن مجهولة في قطاع غزة، وبقي هؤلاء المناضلين لعدة أيام يواجهون و يقاومون آلة الحرب الإسرائيلية في داخل المستوطنات.
هذه العملية البطولية التي تم الإعداد لها بدقة منقطعة النظير و تخطيط كبير و سريّة مطلقة و تم تنفيذها بكفاءة عالية و إحكام ملفت، فاجأت و أذهلت الكيان الإسرائيلي و أصابت جيشه و شعبه و مستوطنيه بصدمة كبيرة ستبقى آثارها و تداعياتها تقض مضاجع هذا الكيان لفترة طويلة من الزمن.
عملية طوفان الأقصى هذه، أظهرت مدى ضعف و هشاشة هذا الكيان و جيشه الذي زعموا أنّه جيش لايقهر، و أوضحت بما يدع مجالا للشك أنّ مايُسمَّى بإسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت، كما أنّها سلطت الضوء عل إخفاق أجهزة استخباراته العديدة و عدم قدرتهم على التنبؤ بهذه العملية رغم امتلاكهم أحدث وسائل الرصد والمراقبة والتجسس وتجنيدهم لكثير من العملاء داخل غزة و خارجها، هذا الإخفاق اعترف به قادة جيش الاحتلال وضباطه كما أقَرَّ به المسؤولون السياسيون في إسرائيل و خلق بلبلة في أوساطهم، تجلت بتبادل الاتهامات بينهم فيما يخص المسؤول عن هذا الإخفاق.
سرعان مابدأ الاحتلال الإسرائيلي قصفاً جنونياً على قطاع غزة معلنا حرباً وحشية بدافع الانتقام و بهدف إنهاء و تحييد حركة حماس، حيث شرع بقصف إجرامي شديد على المدنيين العزل و تدمير مُمَنهج لكل مقومات الحياة بدون تمييز بين طفل رضيع أو شيخ كبير، مُنتهكاً كل القوانين الدولية و الأعراف الإنسانية، مرتكبا أبشع و أفظع المجازر بحق البشر والحجر.
كل هذا الإجرام و هذه المجازر تُرتكب من قبل الكيان الإسرائيلي وبدعم من الولايات المتحدة والدول الغربية و بعض الدول العربية و على مرآى و مسمع العالم برمته من دون أن يحركوا ساكناً لإيقاف آلة الحرب الإجرامية الإسرائيلية و كبح جماح وحشيتها.
و منذ الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى، بدأ السؤال عن دور حزب الله و هل سيدخل الحرب عملاً بمبدأ وحدة الساحات أم أنّه سيترك المقاومة الفلسطينية تصارع الاحتلال الإسرائيلي وحيدة ويتخلى عنها ويتركها تواجه مصيرها بنفسها، والمتسائلون توزعوا مابين حاقد مغرض وجاهل أحمق و محب سيطر عليه الحماس والاندفاع و لكل أهدافه و مآربه.
تخشى إسرائيل من دخول حزب الله في الحرب وفتح جبهة ثانية على الحدود الشمالية مع لبنان، وخاصةً أنّ الحرب مع حزب الله تختلف كثيراً عن الحرب مع المقاومة الفلسطينية و هذا ما اعترف به كبار جنرالات إسرائيل، لأن حزب الله يمتلك من الأسلحة والصواريخ الدقيقة والطائرات المُسَيَّرة ما لاتمتلكه المقاومة الفلسطينية، كما أنّ حزب الله راكم خبرات قتالية هائلة في السنوات الماضية من خلال مشاركته في الحرب الدائرة في سورية، لهذا و ذاك سارعت الولايات المتحدة والدول الاوروبية للاتصال بحزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر لمعرفة ماسيفعله حزب الله، وأرسلو رسائل التهديد و الوعيد لمحاولة ثني حزب الله عن الدخول في هذه الحرب خشية من توسعها و تحولها إلى حرب إقليمية و ربما أوسع من ذلك. لكن حزب الله التزم غموضاً استراتيجياً و لم يفصح عن نواياه، و تركهم جميعاً في حالة ارتباك و خوف و حيرة.
في حقيقة الأمر، دخل حزب الله الحرب منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى وتحديداً في الثامن من أوكتوبر، حيث قام بإطلاق عدة صورايخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية في الأراضي البنانية المحتلة (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) محققاً إصابات مباشرة و مؤكدة، وأعلن حزب الله حينها أنّ هذه العملية هي تضامناً مع المقاومة الفلسطينية في غزة، و من ذلك اليوم لم تهدأ الجبهة اللبنانية حيث نشهد يوميا ضربات صاروخية دقيقة و مركزة على مواقع العدو الإسرائيلي و مرابض مدفعيته و فرق جنوده، كما أنّنا نلاحظ تصاعداً تدريجياً في حجم و قوة و مدى هذه الضربات و زيادة جلية في مستوى انخراط حزب الله في الحرب.
إذن تدخل أو انخراط حزب الله في هذه الحرب هو تصاعدي و تدريجي ويسير وفق خطة مدروسة منهجية، و بهدوء و برود من غير انفعال أو اندفاع غير محسوب، آخذاً بيعن الاعتبار الوضع الداخلي اللبناني و الوضع الإقليمي المعقد، كما أنّ وتيرة انخراط حزب الله في الحرب بشكل أوسع تعتمد على سير المعارك على الأرض في غزة و بما تقتضيه حاجة الميدان، إذ من غير المسموح – بالنسبة لحزب الله – أن تحقق إسرائيل أي نصر استراتيجي على المقاومة الفلسطينية في غزة، ولايخفى أنّ هناك تواصل مباشر و تنسيق على أعلى مستوى ما بين حزب الله وقيادات المقاومة الفلسطينية على الأرض لمتابعة و تقييم تطور المعارك و العمليات الميدانية في قطاع غزة لاتخاذ القرارات المناسبة و في الوقت المناسب.