بدعم مطلق وتام من واشنطن والقوى الأوروبيّة، علنًا وعمدًا، يصعّد الإحتلال الإسرائيلي قصفه الهستيري لمستشفيات غزّة -تحديدًا مستشفى الشِّفاء- دونما اكتراث بحياة المرضى الذين نجوا من القتل الممنهج. بدورها تقوم المقاومة الفلسطينيّة بصدِّ هذا العدوان، مواجهات حاميّة الوطيس، إذ رصد شهود عيان تدمير دبابات إسرائليّة بمن فيها. إنجازات مبهرة وشجاعة منقطعة النظير يثبتها الفلسطينيون بوجه من يسمى “رابع أقوى جيش في العالم”.
بالتوازي، تواصل المقاومة اللبنانيّة عملياتها البطولية المساندة لجبهة غزة، حتى أن الإعلام العبري اعترف باختراق مسيرات حزب الله للأراضي المحتلة. كما يتزايد القلق من انتشار “قوات الرضوان” على الحدود الشماليّة لفلسطين المحتلة. منذ ١٩٨٢، حرصت المقاومة على توثيق عملياتها فاضحةً كما حصل في “عملية أنصاريّة” كذب العدو ومحاولته اخفاء اخفاقاته الساذجة. في السياق أيضًا، تواصل حربها النفسيّة على العدو وبيئته الهشّة موظفةً باقة من الكليبات التي تبث رسائل تذّكر المحتلين الصهاينة بالأزمات التي تحاصرهم فيما تطمئن جمهور المقاومة بأنه تحت حماية ورعاية قيادة حكيمة وفذة وحريصة كل الحرص على حماية كرامة الأمّة
في الأسبوع السادس للحرب، يثبت العدوان الوحشي البربري بأن “خيار الدولتين” الذي برز بعد أوسلو لم يكن سوى خداعًا كبيرًا فضحه: توسع المشروع الاستيطاني، مخططات تهجير أهالي غزة إلى صحراء سيناء، تشبيههم بـ “الحيوانات البشريّة”، تهديدهم بقصفهم بـ قنبلة نوويّة، الخ. دفع الفلسطينيون الثمن باهظًا بسبب ما تسمى “حلول سياسيّة”.
تستطيع واشنطن منع إطلاق النار لكنها تفشل في إضعاف جذوة المقاومة المتواصلة. بعد شهر ونيف من العدوان، يحاول العدو الصهيوني إحراز نصر وهمي أو انجاز ما لتبرير مذابحه الدموية، فشل في الإفراج عن مستوطنيه، وتتواصل خسائره المادية والبشرية وبروباغندات التزوير. كما يحاول عبثًا تخطي نار جبهات اليمن ولبنان والضفة الغربية. بثباتها وصمودها اليوم، تصيب المقاومة الفلسطينية الإحتلال بمقتل. تصرّ على توحيد السّاحة الفلسطينيّة وبالتالي توحيد مقاومة الإحتلال حتى القضاء عليه كليًّا.
ما يحتاجه الفلسطينيون ليس “مساعدات إنسانيّة” ممن تسمى أنظمة عربيّة بل طرد السفراء الصهاينة والتراجع عن خطوات التطبيع المشينة. ويؤكد الفلسطينيون بأن الولايات المتحدة ليست طرفًا يمكن الوثوق به لأنّه القاتل الأول لأطفالهم بعد أن استخدمت حق الفيتو مرتين في مجلس الأمن وقدمت المعونات غير المشروطة للعدوان.
في معركة الصمود والصبر وتراكم الإنجازات، أكد الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله -في يوم شهيد حزب الله- بأن الإحتلال عاجز عن تقديم صورة انتصار له أو انكسار لقوى محور المقاومة. بشموخٍ أسطوري يقاتل المقاومون الفلسطينيون.
صمود الفلسطينيين وصبرهم وإبداعهم هو الحاسم قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مشيرًا إلى أن الأميركيين أرسلوا تهديدات للضغط على فصائل المقاومة في العراق واليمن ولبنان.
الخطاب المطروح من المقاومة العراقية، كما من اليمن كما من لبنان، إذا أردتم أيها الأمريكيون ألا تذهب المنطقة إلى حرب إقليمية، فعليكم أن توقفوا العدوان على غزة. هذه هي المعادلة، ولن يستطيع أحد أن يضغط على حركات المقاومة كي تتخلى عن مسؤولياتها -الأخلاقيّة والدينيّة- على الإطلاق.
أثر فعل المقاومة لا يقتصر على فلسطين وحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى كل قوى المقاومة في المنطقة من اليمن إلى العراق إلى لبنان حيث حزب الله. عبثًا يحاول العدو الإسرائيلي والإعلام الموالي شنّ حرب نفسية حول قدرات المقاومة وإمكاناتها. يحاول أن يصنع انتصارات وهمية دون تقديم أي دليل.
ظنّ العدو أن بإمكانه أن يحقق انتصارًا في الميدان، لكنه لن يخرج من غزة إلّا مهزومًا مذلولًا. وعلى الجميع أن يفهم بوضوح أن المقاومة ليس لديها مواقع ثابتة معروفة يمكن أن يقول الإحتلال أنه قد استولى عليها. المقاومة تقاتله من شارع إلى شارع، ومن جدار إلى جدار، ومن خندق إلى خندق، ومن نفق إلى نفق. العدو يدفع الخسائر تلو الخسائر؛ نجحت المقاومة في تدمير 17 إلى 20% من آلياته التي دفع بها إلى غزة خلال أكثر من أسبوع من اجتياحه البري الغاشم. بالنسبة لجيش نظامي كالجيش الاحتلال، هذا أمر مؤلم بلا شك.
غالانت، في رده على الأمين العام لحزب الله، هدد أنّه كما نفعل في غزة، على سكان لبنان أن يتوقعوا أن نفعل معهم نفس الشيء. طبعًا هناك ما يتجاوز حدود الجنون في هذه التصريحات. لعل ذلك لسببين رئيسيين: السبب الأول هو طبيعة هذا الكيان وطبيعة قادة هذا الكيان، فهم مجرمون متعطشون للدماء، تاريخهم مشهود ومعروف منذ ما قبل حتى قيام هذا الكيان، ثم في لحظات قيامه الأولى وما رافقه من مجازر. السبب الثاني هو إنه رغم هذه الطبيعة الدموية، هنا غطاء تقدمه الولايات المتحدة الأميركية لهذا الكيان، مما يشعره بأنه متفوق جدًّا. لذا نجد بأن نبرة الخطاب فيها حالة استعلاء كشف عنه سابقًا تصريح “وزير التراث” الصهيوني الذي اقترح إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة.
ما يجري منذ ٧ أكتوبر هو مواجهة تحرر وطني، لا يمكن مقايضتها بالمال لأنها قضايا تعني حرية شعب، وتعني سيادة واستقلال شعب. هذا العدو متعود دائمَا أن يحسم المعارك من خلال استخدام الأسلحة الأميركية المتطورة. لكن هذه المرة، إذا تمكنت قوى المقاومة من إبطال مفعول الطيران ولو بشكل جزئي تستطيع أن تحقق انتصارات عظمى، أما المجازر فستبقى وصمة عار في جبين الإدارة الأميركية.