أين حقوق الإنسان مما يجري في غزة ومن ظلمة السجون الإسرائيلية
يشهد العالم يومياً انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ولكن ما يحدث في غزة وتحديداً في سجون الكيان الصهيوني، يمثل أحد أفظع صور هذه الانتهاكات، فهؤلاء الأسرى يعيشون في ظروف مروعة، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، في ظل إهمال المجتمع الدولي وغض الطرف عن هذه الممارسات الوحشية.
حيث تبدأ معاناة الأسرى منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم، فالإدارة الإسرائيلية للسجون تحرم الأسرى من تبديل ملابسهم أو الاغتسال، مما يدفع الكثيرين منهم للتبول في ثيابهم، كما يُعانون من إهمال طبي متعمد، ويحرمون من الأدوية اللازمة، خصوصاً لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، بل والأدهى من ذلك، تجرى لهم عمليات جراحية دون تخدير، في انتهاك صارخ لأبسط معايير حقوق الإنسان.
إن السجون السرية الإسرائيلية ليست بفكرة جديدة، لكنها ازدادت وتيرةً بعد السابع من أكتوبر، فلقد أُنشئت هذه السجون لتكون بعيداً عن أعين المراقبين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان، وهي تمنح الأسرى الفلسطينيين صفة “المقاتلين غير الشرعيين” لتبرير التنصل من الالتزامات القانونية الدولية المتعلقة بحقوق الأسرى والمعتقلين.
وتعتمد هذه السجون على إخفاء هوية الأسرى، حيث يُحتجزون دون إبلاغ ذويهم، وتقوم الاستخبارات الإسرائيلية بتغيير أسمائهم وتزويدهم بأسماء مستعارة، وكل ذلك بهدف إخفاء المعلومات وابتزاز الفلسطينيين خلال عمليات تبادل الأسرى.
وبناء على ما تقدم تكون ظروف الاحتجاز في السجون السرية الإسرائيلية قاسية إلى حد لا يمكن تصوره، حيث تبلغ مساحة الزنزانة أقل من متر مربع، وتُشرف عليها وحدة عسكرية إسرائيلية متخصصة في التعذيب، كما تتنوع أساليب التعذيب بين التعرية، القرفصة، تعتيم العينين، التقييد بالأصفاد لمدة 24 ساعة، وشد الأصفاد بطريقة تؤدي إلى قطع الأيدي.
وكذلك منع الأسرى من دخول بيت الخلاء إلا بأعين مغطاة، والجلوس على الركب طوال اليوم دون حركة، وهي بعض من وسائل التعذيب النفسي والجسدي المستخدمة، كما تُضاف إلى هذه الممارسات الوحشية استخدام الكلاب البوليسية لنهش الأسرى، والضرب المبرح، ورش الفلفل الحار والغازات السامة، والصدمات الكهربائية حتى فقدان الوعي، وسياسة التجويع والتعطيش.
كما لا تقتصر هذه الانتهاكات على التعذيب الجسدي، بل تمتد إلى التعذيب النفسي والإذلال المتعمد، وتشمل هذه الممارسات كسر الأيدي والأقدام، والاعتداءات الجنسية، والتهديد بالموت، وإجبار الأسرى على إنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي، وشتم الذات الإلهية وقيادة المقاومة الفلسطينية، كما يُمنع الأسرى من التحدث بصوت عالٍ، ومن النوم بشكل متواصل، ومن ممارسة الشعائر الدينية.
وكذلك تحرم إدارة السجون الأسرى من التواصل مع العالم الخارجي، حتى إنهم لا يعرفون شيئاً عن أحوال أهاليهم في غزة، وهذا يزيد من معاناتهم النفسية، فهم يعيشون كما لو كانوا في قبور، لا يعرفون ما يحدث في الخارج ولا يمكنهم الاطمئنان على ذويهم.
وبالتالي فإن هناك ارتباط وثيق بين السجون السرية الإسرائيلية ومقبرة الأرقام التي تضم جثامين الأسرى الفلسطينيين المحتجزة، حيث تُمنح جثث الأسرى أرقاماً بدلاً من أسمائهم، ما يعقد عمليات تبادل الأسرى ويصعب التعرف على هوية الجثث، وبالإضافة إلى ذلك، تُحتجز عشرات الجثث في ثلاجات الموتى لاستخدامها كورقة ابتزاز سياسي.
وكذلك تجري على الأسرى الفلسطينيين تجارب طبية دون موافقتهم، مما يحولهم إلى حقل تجارب بشرية، وتُسرق أعضاء بعض الأسرى، ويتم دفنهم في مقبرة الأرقام لإخفاء الأدلة على هذه الجرائم.
كما تُجرى محاكمات الأسرى الفلسطينيين في السجون السرية أمام محاكم عسكرية إسرائيلية، في ظل إجراءات سرية مشددة، حيث تُجرى هذه المحاكمات في منازل القضاة أو في قاعات محكمة في ساعات متأخرة من الليل، دون تسجيل مداولات المحكمة، ويُمنع الأسرى من تعيين محامٍ خاص بهم، حيث يعتمد قرار المحكمة على تقارير الاستخبارات الإسرائيلية.
كل ذلك وأكثر من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتي تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً، وبالتالي يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في محاسبة الكيان الإسرائيلي على هذه الجرائم، ووضع حد لإفلاته من العقاب، فالأسرى الفلسطينيون في السجون السرية يعيشون في ظروف لا يمكن تصورها، ويجب إطلاق سراحهم فوراً، فالحرية تُكلف غالياً، ولكن كرامة الإنسان وحقوقه تستحق كل التضحيات.