عند مناقشة حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في رفح وكذلك سيطرته على معبر رفح، يجب أن ننظر إلى السياق التاريخي والسياسي الذي يحيط بهذه الأحداث، حيث ومنذ عقود، تعتبر منطقة رفح، الموجودة على الحدود بين قطاع غزة ومصر، نقطة توتر دائمة بين الكيان الإسرائيلي المحتل من جهة والجانب الفلسطيني من جهة أخرى.
وحيث إن التقارير تشير إلى أن الكيان الصهيوني قام بتصعيد عملياته في رفح وسيطر على معبر رفح في ظل زيادة التوترات في المنطقة، فإن هذا التصعيد يأتي في سياق التوترات المتصاعدة بين الكيان الاسرائيلي وحركة حماس المقاومة في قطاع غزة، والتي تصاعدت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.
وكل ذلك يستند وفقاً للزعم الصهيوني بأن حركة حماس المقاومة تستخدم المعبر لتهريب الأسلحة والمواد القابلة للاستخدام في الهجمات ضد الكيان الصهيوني، وعليه برر الكيان الإسرائيلي تصعيد أمنيته وسيطرته على المعبر بهدف منع تهريب الأسلحة وحماية أمنه القومي.
لينتهي هذا الأمر بما شهده مخيم اللاجئين في رفح من أحداث مروعة شملت قصفاً قام به الكيان الصهيوني المحتل على رفح وقد أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين شيوخاً وأطفالاً ونساء، حيث استشهد ما لا يقل عن خمسة وأربعين شخصاً نتيجة هذا الهجوم الوحشي الذي شنته قوات الكيان الصهيوني على جنوب قطاع غزة، فلقد استهدف هذا الهجوم مخيم اللاجئين في منطقة تل السطلان غرب مدينة رفح، والذي يتجمع فيه آلاف الأسر الفلسطينية النازحة من القصف.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن هذا المخيم تديره وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ويقع في منطقة مكتظة بالسكان، وكان قد لجأ أكثر من مليون شخص إلى جنوب قطاع غزة بعدما أمر الكيان الصهيوني المحتل بإخلاء المناطق الشمالية في تشرين الماضي، وإن هؤلاء النازحين قد وجدوا أنفسهم محاصرين ومهددين بالقصف في مدينة رفح الحدودية مع مصر.
وعلى الرغم من الإدانات الدولية والمحلية لاستهداف مخيم النازحين غرب رفح، إلا أن القصف الجوي العنيف استمر بكثافة على مدينة رفح نفسها، حيث قام الطيران الحربي بتنفيذ هجمات واسعة وأحزمة نارية في وسط المدينة، مما أسفر عن وقوع عشرات المصابين والضحايا بين السكان المدنيين، وكل هذا في وقت صدر فيه عن محكمة العدل الدولية قرار بوقف فوري لإطلاق النار.
ولقد أثار الهجوم موجة من الغضب العالمي، حيث غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثناء زيارته الرسمية إلى برلين قائلًا: “هذه العمليات يجب أن تتوقف، لا توجد مناطق آمنة في رفح للمدنيين الفلسطينيين”، ودعا إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وهذا يدعونا إلى التساؤل حول الوضع الإنساني الصعب والمستمر في قطاع غزة، والذي يعاني بالفعل من حالة إنسانية صعبة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ سنوات، فسيطرة إسرائيل على معبر رفح يمكن أن تعقد أكثر من أي وقت مضى وضع السكان في غزة وتعزز الحصار، مما يزيد من المعاناة الإنسانية ويؤدي إلى زيادة التوترات.
ولا سيما وأن هذا الهجوم على مخيم اللاجئين في رفح يمثل تذكيرًا مؤلمًا بالمأساة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، حيث يعاني المدنيون من تصاعد العنف وعدم وجود ملاذ آمن، في وقت تبقى الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وتحقيق السلام العادل قائمة، ولكن يبقى تحقيقها رهينًا بوجود إرادة سياسية حقيقية وتضامن عالمي قوي.
وكل ذلك يبرز الضرورة الملحة للمجتمع الدولي للتدخل والعمل على تخفيف التوترات والعمل على فرض وقف حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني الوحشي، مع التأكيد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وتخفيف معاناة السكان في قطاع غزة، إذ أن عدم التصرف السريع والفعال قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد والعنف، مما يعقد المشهد الإقليمي بشكل أكبر ويعرض حياة المدنيين للخطر.