منذ الإعلان عن صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وقوات الإحتلال، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمطالبات حقوقية واسعة لإطلاق سراح الطفل الفلسطيني المعتقل أحمد مناصرة نظرًا لوضعه الصحي المتدهور. ومع بداية الحرب على غزة، كان أحمد متواجدًا في عيادة الرملة، وهو المستشفى التابع لمصلحة السجون الإسرائيلية. حاول محاموه زيارته، لكنّ مسؤولي السجن رفضوا ذلك، بزعم أنه “هناك حالة طوارىء”.
أحمد مناصرة شاب فلسطيني ولد في 22 يناير 2002 في بيت حنينا بالقدس العربية المحتلة. اعتقله جيش الاحتلال بتاريخ 12 أكتوبر 2015، ولم يكن قد أتم الثالثة عشرة من عمره حينئذ، حيث قام الإحتلال باستجوابه بطريقة قاسية، بدون حضور محامٍ أو احدًا من ذويه. ووفقًا للقانون الدولي، فإن وجود وصي ضروري أثناء التحقيق مع القاصر.
يقبع أحمد خلف القضبان، ينظر من حوله، لا أب، لا أم، لا أخوة، لا أتراب، ربما يفكر في طفولته الضائعة التي قضاها في الزنزانات المظلمة لقسم العزل في سجن “إيشيل” في صحراء النقب، وسط صمت دولي مخزٍ.
بات عمر أحمد الشّاب21 عامًا، قضى لثمان سنواتٍ في الحبس الانفرادي، فحفر التعذيب النفسي الوحشي ندوبًا عميقة لديه، مما تسبب إصابته بمرض عقلي مزمن. رغم أنه كان آنذاك دون سن المسؤولية الجنائية إلّا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اختطفت أحمد مناصرة في أكتوبر 2015، على خلفية حادثة طعن وإصابة محتلين بالقرب من مغتصبة “بسغات زئيف” في القدس الشرقية المحتلة خلال العام ذاته. وبعد عدة جلسات، خلصت المحكمة أنه لم يكن له أي دور في العملية المذكورة، لكن الاحتلال لا يزال يدينه بمحاولة قتل آخرى مزعومة في العام 2016.
وقد حُرم أحمد عمدًا من الرعاية الطبية المناسبة لحالته الخطيرة مما يعرضه لخطر الإصابة بمضاعفات صحية. قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، صرّح بأن أحمد مناصرة لم يُدرج ضمن أيّ صفقة التبادل لأن عمره الآن 21 عامًا رغم أنّه اعتقل طفلًا حيث نصّت الصفقة على إطلاق سراح الأشبال المعتقلين تحت سن الـ18. وتابع فارس في حديثه لـ بي بي سي: “للأسف الشديد، هذه ليست صفقة تبادل أسرى بالمعنى الشامل للكلمة… المفاوضات جرت تحت النار، في ظل حرب، ولذلك لم يكن التوقف عند التفاصيل أمرًا ممكنًا. نأمل ألا تكون هذه الصفقة الأخيرة”.
حكم على مناصرة في البداية بالسجن لمدة 12 عامًا وغرامة بقيمة 180 ألف شيكل، ثم جرى تخفيض الحكم إلى 9 سنوات ونصف السنة في 2017.في عام 2015، ثم تم تخفيضها لاحقًا إلى 9 سنوات، وقد اتُهم بالتواجد مع ابن عمه حسن مناصرة، الذي -بحسب الإحتلال- طعن الإسرائيليين. وقد قُتل حسن، الذي كان يبلغ من العمر 15 عامًا في ذلك الوقت، برصاص محتل إسرائيلي، بينما تعرض أحمد للضرب المبرح على يد المحتلين. كما دهسته سيارة، مما أدى إلى إصابته بنزيف داخلي وكسور في جمجمته. كما ظهر مقطع فيديو آخر مناصرة وهو ينزف على الأرض، بينما يطلب المساعدة، فيما شوهدت جحافل المحتلين وهم يصرخون ويشتمونه.
في وقت سابق من العام الجاري، قال قاض صهيوني إن مناصرة يجب أن يبقى في الحبس الانفرادي، واصفًا إياه بالخطر. واستند القاضي في حكمه إلى “أدلة” لم يتم الإعلان عنها قط. وبعد نقل مناصرة إلى أحد سجون النظام الإسرائيلي، انتشر مقطع فيديو يظهره وهو يخضع لتحقيق قاسٍ.
في عام 2015، حين تم اعتقال أحمد مناصرة، نص “قانون” صهيوني على أنه لا يمكن تحميل الأطفال دون سن 14 عامًا مسؤولية ارتكاب جريمة. وللالتفاف على هذا “القانون”، قامت سلطات الإحتلال بسجن مناصرة (الذي كان يبلغ من العمر حوالي 13 عامًا عام 2015) لمدة عام حتى بلغ 14 عامًا. ثم حكمت عليه لاحقًا بتهمة “الشروع في القتل”. وفي العام 2016، تم إلغاء القانون، والآن يسمح “بسجن قاصر مدان بجرائم خطيرة مثل القتل أو الشروع في القتل أو القتل الخطأ”.
في أكتوبر 2021، شخّص عالم نفس إكلينيكي صهيوني بأن أحمد يعاني من حالات نفسية حادة، مضيفًا إن هذه الحالات تطورت منذ سجنه في السجون الإسرائيلية. وفي ديسمبر 2021، سُمح لأول مرة لطبيب نفسي من منظمة “أطباء بلا حدود” مؤكدًّا إن الشاب يعاني من مرض انفصام الشخصية.
على مدى السنوات العشرين الماضية، احتجز نظام الاحتلال احتجز حوالي 10,000 طفل فلسطيني في الاعتقال الإداري. وبحسب منظمة “إنقاذ الطفولة”، فإن الأطفال الفلسطينيين هم “الأطفال الوحيدون في العالم الذين تتم محاكمتهم في المحاكم العسكرية [التابعة للنظام الإسرائيلي]”، مشيرةً إلى أن 86% منهم يتعرضون للضرب في السجون في حين يتعرض 69% منهم للتفتيش العاري. ويتعرض 42% منهم للإصابات أثناء الاعتقال. وبحسب آخر الإحصائيات، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 800 طفل فلسطيني خلال العام 2023، معظمهم منذ 7 أكتوبر من العام الجاري.
أحد أعضاء هيئة الدفاع عن أحمد المناصرة، المحامي خالد زبارقة قال: “يجب أن يكون أحمد مناصرة على رأس المفرج عنهم في أي صفقة نظرًا لما عاناه داخل السجون الإسرائيلية”. بدورها، ناريمان شحادة زعبي، من مركز عدالة للحقوق، وهي من هيئة الدفاع عن أحمد المناصرة أيضًا، قالت: “آخر مرة التقيناه (مناصرة) كان وضعه الصحي صعبًا جدًّا، وهناك قلق كبير على حالته الصحية”. شحادة أضافت إن فريق الدفاع عن أحمد فقد الاتصال معه بشكل كامل منذ بداية الحرب، مُضيفةً “ليس لدينا أي علم الآن بوضعه الصحي”.