فسّر كثيرون جولة الرئيس الأميركي جو بايدن -وسط استعار العدوان على غزة- في سياق الدعم الأميركي اللامشروط والمطلق للكيان الصهيوني الغاصب، الذي تعرّض لهزة عنيفة على يد أبطال المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023. إلّا أنه كان لهذه الزيارة اللافتة هدف آخر مرتبط بالمصالح العربية الإستراتيجية في غرب آسيا، تحديدًا إقامة نظام إقليمي تابع للولايات المتحدة في غرب آسيا تكون “إسرائيل” محوره، بعد فشل هذا المشروع خلال “حرب يوليو” في 2006، ثم خلال ما يسمى بـ “الربيع العربي” في 2011.
فقبيل عملية “طوفان الأقصى” البطولية بأسابيع قليلة، أطلقت واشنطن مأ أسمتها بــ “مبادرة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي،” الذي لا يشكّل شريانًا اقتصاديًّا تستفيد منه الدول الأعضاء فقط، بل يعرقل كُلًّا من “مبادرة الحزام والطريق الصينية،” و”مبادرة طريق شمال جنوب الروسية”.
إن الهدف من “مبادرة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي” الأمريكية الإمبريالية هو قيام كيان الإحتلال بربط أوروبا -الواقعة تحت الهيمنة الأميركية- بالهند -الواقعة تحت سيطرة “حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي” المعادي للمسلمين- فضلًا عن ضمان السيطرة هلى بعض الدول العربية إذ يمر الخط الآنف ذكره عبر الأردن، السعودية، ثم الإمارات العربية المتحدة. وهذا بالتالي يعني تهميش الدول الفاعلة جيوسياسيًّا، أي سوريا، العراق، إيران وتركيا. فواشنطن لا تريد لقوى عربية وإسلامية -ذات قدرات جيوسياسية مستقلة- أن تؤدي دورًا مؤثرًا وذا قيمة في النظام الإقليمي.
الشرطان اللذان يضمنان نجاح هذا الخط هما: أولًا، فرض هوية واحدة على أرض فلسطين التاريخية أي الهوية اليهودية حصرًا، وثانيًّا، القضاء على المقاومة المسلحة في غزة وكذلك في الضفة الغربية.
لذلك، فإن نتنياهو كان ينوي بعد انتهاء الإحتفالات التي تسمى ب “أعياد الغفران”، أي ليل السابع من أكتوبر 2023 -بالتنسيق مع واشنطن- مباغةَ المقاومة الفلسطينية عبر حملة اغتيالات واسعة للقادة، تترافق مع عدوان شامل يستهدف المدنيين الفلسطينيين، وتهجير أهالي غزة إلى سيناء، ومن ثم فرضها كوطن بديل لهم، وتهجير أهالي الضفة إلى الأردن.
إلّا أن فصائل المقاومة الفلسطينية -بالتنسيق مع قوى محور المقاومة- استبقت الصهاينة بــ “عملية 7 أكتوبر” البطولية، التي لم تسقط فقط العقيدة الأمنية لـ”إسرائيل”، إنما وضعتها في حالة “موت سريري” محتم. وهذا ما قصده قائد الثورة الإسلامية، السيد الخامنئي، حينما أكد أن هذه الملحمة ستؤذن بقيام نظام عالمي جديد “خارج الهيمنة الأميركية.”
الإعلام الغربي المعادي حرص -منذ بداية عملية “7 أكتوبر” البطوليّة- على مضاعفة القيود المفروضة على إعلام المقاومة بهدف التحكم بالسّرديات. خلال حرب تموز 2006، حرص العدو على إخفاء مشاهد هزيمته عن قطعان مستوطنيه حرصًا على زعزعتهم نفسيًّا. وهذا العنصر ذاته الذي برز خلال الحرب الحاليّة. اليوم هناك ما لا يزيد عن 25 شهيدًا من حزب الله وما لا يزيد عن 15 للمقاومة بينما عدد قتلى العدو أكبر بكثير، فضلًا عن كونهم من النخب والقادة. هذا يعني تفوق المقاومة عسكريًّا مما تطلب حربًا إعلاميًّا غربيةً هوجاء وأكاذيب وفبركات تمتص شيئًا من الخيبات المتتالية التي يتلاقها العدو.
الكيان الصهيوني هو كيان وظيفي يخدم مصالح قوى الاستكبار العالمي، لذا فإن قهره يعني هزيمة المشروع الكولونيالي، وهذا ما يفسر عنصرية الدبلوماسية الدولية داخل صرح الأمم المتحدة بغية شيطنة الفلسطينيين والعرب والمسلمين. فما أحدثته ثورة 7 أكتوبر من إلهام وإيقاض الشعوب المستضعفة -خاصةً فئة الشباب الصاعد- إنما يشكل خطرًا محدقًا لا يمكن تفاديه. بدا واضحًا ثورة الشباب على المراسلين الغربيين وشجاعتهم في دحض أكاذيبهم. ثقة هؤلاء بهذا الإعلام تدهورت انحدارًا، وذلك وفقًا لاستطلاعات رأي متعددة.
في هذه الغضون، قد لاحظ الخبراء تصاعد عدد مستخدمي تطبيق تليغرام، الذي لا زال نسبيًا أقل تقييدًا للمحتوى الخاص بالمقاومة، حيث ارتفع عدد المتبعين للقنوات الرسمية الخاصة بقيادات وقوى وإعلاميين المقاومة. كذلك قامت منصات إعلامية كبرى كالتليغراف وواشنطن بوست بتلسيط الضوء على ذكاء جمهور المقاومة في نضاله عبر التلاعب بخورزميات منصات التواصل تجنبًا للحظر التعسفي. فالإعلام الغربي حريص على التحكم بمنهجية تفكيرنا لتطويعنا وإخضاعنا.
فضلًا عن هذا، تقوم شرطة الإحتلال، كذلك شرطة بعض الأنظمة العربية، بمراقبة المحتوى الرقمي لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي الداعمين للقضية الفلسطينية، ومن ثم استدعائهم للتحقيق وتهديدهم وابتزازهم. كما تقوم باستغلال متطرفيها للتشهير بهم رقميًّا وتجريمهم كجزء من الحرب النفسية العدوانية التي تقودها هذه المنظومة الإمبريالية لإعادة تشكيل ذهنية الشعوب.