الآثار النفسية للحرب في غزة على المجتمع الإسرائيلي

الآثار النفسية للحرب في غزة على المجتمع الإسرائيلي

تجاوزت تداعيات الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة البعد العسكري والسياسي والاقتصادي إلى ما هو أبعد وأخطر – وأعني البعد النفسي –  والذي سيكون له أثراً كارثياً كبيراً بعيد المدى على بنية المجتمع الإسرائيلي وتماسكه وعلى مستقبل الكيان الصهيوني ووجوده.

في ظل استمرار ملحمة طوفان الاقصى، هناك ارتفاع كبير في حالات الإصابات النفسية في صفوف الإسرائيليين،  ويعترف الإسرائيليون بأنهم ينهارون نفسياً، هذا الانهيار وطلب المساعدة النفسية يشمل مختلف الفئات والأعمار، وهذا ما تظهره الأرقام القياسية من المكالمات إلى مراكز المساعدة الأوليه النفسية لشكاوي تتعلق بالاضطرابات النفسيه، حيث أنّه في الأشهر الثلاثة الماضيه تم تسجيل ما يقرب من 100,000 نداء استغاثة حول الشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية وأيضا اضطرابات النوم المصاحبة لهم والذي أدى إلى ارتفاع كبير في استخدام الإسرائيليين للأدوية المنومة التي تسبب الإدمان. هذا الارتفاع يزيد من خطر الإدمان والإضرار بآلية النوم الطبيعية، كما أن الأوضاع الأمنية والسياسية منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر أدت إلى زيادة استفسارات المرضى الإسرائيليين الذين يشكون من مشاعر الخوف والهلع، ولم تقتصر هذه الظاهرة على المستوطنين الإسرائيليين، بل شملت أيضاً جنود الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في التوغل البري في قطاع غزة حيث أنّ أكثر من 1600 جندي عانوا من أعراض التوتر وصدمة المعركة منذ بداية الحرب، تم علاج بعضهم فيما تم تسريح 90 جندياً من الخدمة بسبب الصعوبات النفسية.

علاوه على ذلك، ليس من المعروف حتى الآن كم من أولئك الذين يقاتلون في قطاع غزة سيعانون من صدمة ما بعد الحرب. وكمثال، ذكرت القناه 12 الإسرائيلية أنّ جندياً استيقظ مرعوباً بسبب كابوس خلال نومه وقام بإطلاق النار تجاه جدار الغرفة التي كان ينام فيها، وقد أدى ذلك إلى إصابة عدد من الجنود الإسرائيليين. ويجب عدم إخفاء التداعيات النفسية لحالة الاستنفار القتالي المستمر لجنود الاحتلال، هذا الاستنفار المستمر يؤدي إلى إصابتهم بما يعرف ((بتفاعل كرب القتال)) أو صدمة القذيفة أو إرهاق المعركة والذي يتظاهر بأعراض عديدة مثل الإحباط والتقلبات المزاجية الحادة والخوف والقلق بالإضافة إلى المعاناة من مشاعر الحزن واليأس، كذلك قد يعاني الجندي المصاب بهذه الحالة من الكوابيس ومطاردة الذكريات الماضية المؤلمة له دائماً، هذا بالإضافة إلى أفكار وسواسية حول الحدث أو الأحداث المجهدة التي تعرض لها الجندي، وزيارة التفكير في الموت ولحظات الاحتضار. وقد يتحول تفاعل كرب القتال إلى اضطراب ما بعض الصدمة.

الحالة النفسية السيئة وانخفاض الروح المعنوية ليست أموراً هامشية فيما يتعلق بالقتال وخوض الحروب المباشرة التي تعتمد على الجنود من البشر وليس على الآلات والصواريخ، وهذا من الأسباب الجوهرية للهزيمة وله أثر كبير في تحديد نتائج المعركة.

نظام الصحة العقلية في إسرائيل يواجه انهيار، حيث أنّ عشرات الأطباء النفسيين يغادرون إلى بريطانيا نتيجة الإحباط بسبب عبء العمل الثقيل وشعورهم أنّ الوضع لن يتحسن. هذا النزوح يأتي في وقت يتزايد الطلب على خدمات الصحة العقلية في إسرائيل بسبب الحرب على غزة وذلك أنّ أحداث 7 تشرين الأول أسفرت عن قرابة 300 ألف مريض إضافي يحتاجون إلى العلاج على يد متخصصين مدربين.

يمكن تفسير ما يتعرض له المجتمع الإسرائيلي من صدمة نفسية بفرضية صاغها عالم النفس النمساوي (ألفرد أدلر) في كتابه فهم الطبيعة البشرية، وهي نظرية عقدة التفوق والتي يشير من خلالها أنّ عقدة التفوق هي سلوك يدفع الشخص إلى الاعتقاد بأنّه متفوق على الآخرين، وغالباً ما يكون لدى هؤلاء الأشخاص مواقف متفاخرة واستعلائية تجاه من حولهم. ويوضح أدلر أنّ تلك العقدة في الحقيقة هي آليه دفاع ضد مشاعر النقص والشعور بالدونية تجاه الآخرين، ويرى أدلر أنّ هناك ارتباطاً بين عقد التفوق وعقد النقص، وأنّ الشخص الذي يتصرف بشكل يوحي بالتفوق على الآخرين يحاول بالأساس التكتم على شعوره بالنقص والدونية.

هذه النظرية تنطبق على الكيان الصهيوني، اذ تنبع عقدة التفوق لدى الإسرائيليين من مفردات لاهوتيه مثل  (شعب الله المختار) و (أرض الميعاد) وتنسجم هذه الشعارات مع ادعاءات دولة الكيان الغاصب المتعلقة بتفوقها في كافة المجالات فيما يقبع في الذاكرة اليهودية تاريخ طويل من الشعور بالاضطهاد وأحاديث الشتات التي تروجها الآلة الإعلامية الصهيونية في سبيل استدرار التعاطف والدعم الغربي، إلّا أنّها كذلك كفيلة بتوليد أحاسيس الدونية والنقص في لاوعي الأفراد الإسرائيليين.

نجح طوفان الأقصى في كشف الغطاء وفضح وهم التفوق الإسرائيلي وأزال ما كانت تتشدق به إسرائيل من مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان واتفاقات السلام، وأصاب المجتمع الإسرائيلي بحاله ذعر وهلع وفقدان الطمأنينة، تجلت في استحضارهم لنبوءة العقد الثامن التي تتنبأ بزوال دولة الكيان الإسرائيلي، وهذا يوضح مدى التشاؤم والقلق الذي أصاب الداخل الإسرائيلي.

هذا التشاؤم الجمعي يعكس تدهور الحالة النفسية على مستوى الأفراد، وهذا ما أكدته عالمة الاجتماع الإسرائيلية (فيرا كابلانسكي) حيث قالت: أنّ المكالمات التي تطلب الدعم النفسي زادت من 25 مكالمه يومياً إلى 1200 في اليوم، كما اضطرت مؤسسة ناتال (NATAL) إلى تدريب المزيد من المتطوعين لاستيعاب الكم الهائل من الاستشارات النفسية التي ترد عبر الانترنت.  ما سبق ذكره، يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي في حالة انهيار، وأنّ التداعيات النفسية لحرب غزة ستكون كبيرة وكارثية على دولة الكيان الإسرائيلي، وستبقى تنخر ببنية هذا المجتمع الإسرائيلي الغاصب لسنين طويلة.

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال