لطالما روّج الإعلام المعادي بأن كيان الإحتلال يمتلك واحدًا من أكثر الجيوش قوةً وتطورًا في العالم، لكن ما جرى حتى اليوم يدحض هذه المزاعم. صحيح بأن متوسط نصيب الفرد الواحد من الجيش الإسرائيلي المحتل من النفقات العسكرية يبلغ نحو 2000 دولار سنويًّا، لكن تآكل الروح القتالية لديه في تواصل ملحوظ.
فكرة “زوال إسرائيل” يعتقد بها الكثير من اليهود مثل الحاخام شمعون بن يوحاي في كتابه “الزوهار”، إذ يقول “يأتون من أرضٍ بعيدة إلى جبل إسرائيل العالي، ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل ولا تخلص إسرائيل، وكل من صودف طعن، وكل من وقع أخذ بالسيف، وكل من يتلو اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا يقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا ثم يأتي أبناء أشور (أهل العراق) فيدمرون إسرائيل”.
اليوم وبعد مرور ٣ أشهر على الحرب الصهيوأمريكية العدوانية على غزة والجنوب اللبناني، نستحضر ما ورد في كتاب “لو خسرت إسرائيل الحرب” بشأن ما كان سيحدث لو خسر الإحتلال “حرب يونيو 1967، وهي الهواجس ذاتها التي يعيشها كيان الاحتلال اللقيط الآن. الكتاب الذي ألفه إدوارد كلاين وروبرت ليتيل في العام 1969، يسلط الضوء على التحديات التي يواجهها كيان الاحتلال وخوفه الدائم من تخلي الحليف الأميركي عن دعمه مع تعزّز لعنة “العقد الثامن” التي تنذر بزواله.
لتبديد مشاعر الخوف من الهزيمة في أي حرب مستقبلية، يعتقد الباحث بمركز “بيغن- السادات” للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية، اللواء احتياط جرشون هكوهين، أنه يجب على كيان الإحتلال أن يصيغ رواية يهودية جديدة تتكيف مع التحديات المستقبلية، وهو ما يقتضي وجود “قيادة سياسية صهيونية ذات مكانة روحية عُليا”، ويلفت هكوهين إلى التحذيرات من “خطر العقد الثامن” على الكيان، إذ يقول بأن هذا القلق “هو أولًا وأخيرًا يهودي بسبب المصير الفظيع المتوقع لليهود الإسرائيليين في هذا السيناريو الوجودي المفزع”. ويتابع: “صحيح أن سكان أم الفحم أيضًا أو الطيبة -من فلسطينيي الداخل- سيفقدون في مثل هذا الوضع مظلة دولة إسرائيل، لكن استمرار إقامتهم في أماكن سكناهم في أحضان العائلة الأوسع لا يخضع للتهديد”. هكوهين يؤكد تحذير بن غوريون بأن “دولة إسرائيل” ليست هدفًا في حد ذاتها وإنما “وسيلة لتحقيق الهدف الأبدي وهو فداء إسرائيل، وتجمع اليهود المشتتين والاستقلال الوطني”.
الزعيم الصهيوني الكبير ناحوم غولدمان، الذي أسس وترأس المؤتمر الصهيوني لسنوات، ذكر في عدة كتب له أن “دولة إسرائيل” سوف تختفي من الوجود داعيًّا الجيل “الإسرائيلي” القادم بأن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وأن ينصهر معه في علاقات اقتصادية، متوقعًا ألا تستمر واشنطن بمد كيان الاحتلال بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية. غولدمان اعترف بأن “مطالبة الصهاينة بدولة يهودية، كانت تتعارض بشكل تام مع كل مبادئ القانون الدولي والتاريخ الحديث”.
إذًا تكمن أزمة الكيان الصهيوني في أنه يمثل آخر بقايا الاستكبار الغربي، وهو كيان عنصري قائم على الغصب والقتل دون أي اعتبار لحقوق الفلسطينيين، وهذا بحد ذاته سببًا لزواله.
وعلى الرغم من استعداد الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية للسير في مشروع “التطبيع” المخزي، فإن الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية والإسلامية لا تزال تؤمن بعدم شرعية “إسرائيل”. وكثير من هذه الأنظمة -كنظام البحرين- غير مستقرة، وإذا ما عصفت بها رياح التغيير، فليس هناك أي ضمان لبقائها. كما أن عملية التطبيع شهدت فشلاً كبيرًا في كلٍّ من مصر والأردن.
أما العامل الثاني فهو مرتبط ببقاء هذا الكيان قويًّا، وبقاء ما حوله من الأنظمة والشعوب ضعيفًا مفككًا متخلفًا. وهي المعادلة التي لا تزال “إسرائيل” قائمة عليها منذ إنشائها. لكن توحّد فصائل محور المقاومة وحجم التنسيق يؤكد سقوط هذا الرهان. فلم تسهم “معركة طوفان الأقصى” في توحيد المجتمع الصهيوني بل في شرذمته، إذ تحولت المظاهرات المعارضة للإصلاح القضائي إلى مظاهرات احتجاجًا على فشل نتنياهو في إدارة المعركة، وحلحلة ملف الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. كما أنّ فصائل محور المقاومة دخلت المعركة مؤمنةً إيمانًا راسخًا بقرب زوال هذا الكيان اللقيط.