منذ السابع من أكتوبر الماضي، لا يكاد يمر يوم دون أن يتحول الأطفال الفلسطينيون إلى أخبار عاجلة في قصف وحشي يحوّل أجسادهم إلى أشلاء وقطع متفحمّة، أو أيتام يصرخون ويستنجدون. حصيلة العدوان الصهيوني المتواصل -بدعم أمريكي وغربي مباشر- على قطاع غزة المحاصر بلغت 18 ألف شهيد و49300 جريح، وذلك في ظلّ صمت دولي متعمد، فيما لا يزال مئات الضحايا تحت أنقاض المباني المدمرة.
وزارة الصحة الفلسطينية أكدت أنّ أطفال قطاع غزة، باتوا هدفًا رئيسيًّا للعدوان. ووفقًا للمنظمات الدوليّة، يُقتل طفل كل 15 دقيقة في القصف الإسرائيلي على غزة ما يعكس الخسائر الكارثية التي ستخلفها الحرب الحالية على الأطفال. وهناك آلاف الأطفال الجرحى من بينهم حالات حرجة للغاية باتوا في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة.
من المفترض أن تحمي القواعد المقبولة دوليًا الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وذلك بموجب اتفاقيات جنيف للعام 1949، التي تنص على وجوب حماية الأطفال ومعاملتهم بطريقة إنسانية، علمًا بأن كيان الإحتلال صدّق على هذه الاتفاقيات عام 1951، لكنه لا يعترف باتفاقية جنيف الرابعة، التي تحمي المدنيين الذين يقاتلون الاحتلال لأنه لا يعتبر فلسطين أرضًا محتلة. كما يعتبر العدو بأن الاستخدام غير المتناسب للقوة العسكرية في غزة وسيلة مشروعة لتدمير حماس. وبالتالي فإن الجرائم بحق الضحايا الأطفال -كما يزعم- ليست جرائم حرب.
الحصار الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة يمنع دخول أي طعام أو ماء، لذلك فإن أزمة المياه مستمرة ما يعرض الأطفال لخطر الجفاف المتزامن مع سوء التغذية، وبالتالي تعرض الأطفال لمخاطر عالية للإصابة بأمراض الإسهال، وهي السبب الأكثر شيوعًا عالميًا المؤدي إلى المجاعة والموت.
بلا شك، إن عدم تمكن العدو من استهداف المقاومين والقادة السياسيين والعسكريين دفعه للبحث عن أهداف مدنية في مقدمتهم الأطفال كي يقنع قطعان المستوطنين بأنّ هناك أهداف حقّقها، وكي يتحدث عن النصر ولو بشكل وهمي.
كما أن استهداف الأطفال يسعى لخلق جيل يعاني نفسيًّا ولا يمكن علاج هذه الآثار على المدى القصير، لأن استهداف الأطفال هو استهداف لجيل كامل من الفلسطينيين يرى العدو فيهم خطرًا مستقبليًّا.
وفق إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني، يُشكل الأطفال نسبة 60% من سكان قطاع غزة. بحسب ورقة بحثية كتبتها عالمة النفس الفلسطينية، الدكتورة إيمان فرج الله، فإن الأطفال الذين ينجون من الحروب لا يخرجون سالمين ويمكن أن يدفعوا ثمنًا باهظًا نفسيًّا وعاطفيًّا وسلوكيًّا إذ يُظهر بعض الأطفال القلق أو السلوك العنيف.
تقول د. إيمان فرج الله في ورقتها المعنونة “ضغوط الصدمة المستمرة في فلسطين: الآثار النفسية للاحتلال والحرب المزمنة على الأطفال الفلسطينيين” بأنه على مدى أكثر من 70 عامًا، عانى أطفال فلسطين من مستويات متزايدة من صدمات الحرب بسبب الصراعات المستمرة مع العدو الإسرائيلي، حيث قد تعرض هؤلاء الأطفال للخطر والعنف إلى حد أنه أدى إلى خلق طبقة دنيا مجتمعية أصبحت محور البحث لتحديد التأثير النفسي للحرب شبه المستمرة.
إثر الحملة العنيفة من القصف المتواصل، تم تعليق التعليم حيث تحولت المدارس إلى ملاجئ مؤقتة إذ تؤوي الأمم المتحدة نحو 400 ألف نازح في مدارسها ومنشآتها الأخرى. في الغضون، صرحت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الأونروا، التي تدير 278 مدرسة في غزة، إن 4 مدارس على الأقل تعرضت لأضرار جراء القصف الإسرائيلي.
مؤسسة التعليم فوق الجميع [The Education Above All (EAA) Foundation]، التي تقدم المنح الدراسية للفلسطينيين المحتاجين في مدرستها الفاخورة في غزة، تعرضت للتدمير، وقالت في بیان إن “العقاب الجماعي والأعمال الانتقامية والهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية هي انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، وإذا كانت متعمدة فإنها تعتبر جرائم حرب”.
يؤكد المراقبون بأن العدو يتعمد قتل واستهداف الأطفال بهدف ترويع الآمنين ودفعهم للضغط على المقاومة كي تقبل التهدئة وفق شروطه، كما أن صمت المجتمع الدولي الفاضح يشجّعه على ارتكاب مجازر الإبادة هذه بحق الأطفال دون أن تُلقي بالمحاسبة.
إن استهداف العدو لأطفال غزة يتم بشكل مقصود ومتعمد بعيدًا عن العشوائية، فقادته لديهم قناعة وفق النصوص التلمودية التي خطّها الحاخامات الصهاينة أنه من العار الإبقاء على طفل فلسطيني دون قتله.