قوبلت زيارة وزير خارجية الاحتلال، إيلي كوهين، إلى البحرين مطلع سبتمبر الحالي بغضب شعبي عارم. لم يكن الهدف الوحيد للزيارة افتتاح سفارة إنمّا إبرام سلسلة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية وغيرها، وذلك تماشيًّا مع خطوات التطبيع التي يجري اتخاذها منذ ٢٠٢٠.
توقيت الزيارة مريبٌ جدًّا لا سيما في ظل ما يعانيه الاحتلال من أزمات داخلية، وتصاعد المقاومة في الضفة الغربية، كذلك في ظل ما تعانيه البحرين من انسداد سياسي وأزمة اقتصادية متناسلة بسبب تفاقم الآثار السلبية للتجنيس السياسي وتفشي الفساد والمحسوبية.
بلا شك، لا أحد في عالم ازدواجية المعايير يسمع صوت الشعب البحريني الرافض والماقت للتطبيع، والمناصر للقضية الفلسطينية الحقّة، خاصة بعد مضي ثلاثة أعوام على اتفاقيات “آبراهام”، وبعد قيام النظام بإغلاق كل منافذ التعبير عن الرأي ومصادرته وتجريمه. فدور مجلس الشعب هامشيٌ هزيل، لا يفقه من شؤون الشعب شيء، ولا يخدم أيًّا من مصالحه أو مصالح الأمة، بل يحاول عبثًا إضفاء شرعيّة على الوجود اللاشرعي للكيان الغاصب المؤقت. ولو كان البرلمان الحالي ممثلًا حقيقيًّا للشعب لجرّم التطبيع مع الاحتلال، ناهيك عن كون معظم قادة الشعب البحرينيين قد غيبوا في السجون والمنافي، ولو قُدّر لهم التحرك لحركوا الشعب في مختلف الميادين. لكن النظام القمعي أحكم قبضته الأمنية انتقامًا من كل من يجرؤ على فضح تجاوزاته وممارساته الخيانية.
الطعنة المشينة في خاصرة الشعب الفلسطيني ليست إلا تعبيرًا عن الانحدار الأخلاقي المشين للنظام البحريني، إذ أن جلّ همّه اكتساب “الغنائم” والامتيازات وضمان بقاء كرسي الحكم مديدًا، رغم أن الواقع يثبت بأن للاحتلال وحده الحظوة الأكبر من المكاسب المتوقعة عما يتم ابرامه من اتفاقيات، وذلك انسجامًا مع عقيدة ما تسمى “اسرائيل الكبرى” وأهدافها التوسعية الخبيثة.
التاريخ أثبت بأن التطبيع لم ينفع الأردن ولا مصر ولا السودان الغارقون في الأزمات والمضار عامًا بعد الآخر، ناهيك عم تعانيه كردستان من خسائر اذا يباع نفظها بثمنٍ بخس، كما أنه لم ينفع بعض الفصائل الفلسطينية التي انخدعت بمزاعم السلام والوئام الصهيونية المزعومة، ثم دفعت الثمن غال. فالعاقل يعرف بأن ما يبرم من اتفاقيات وما يعلن عنه من تعاون لن يعود بأي ربح أو مكسب، بل سيقوي شوكة العدو ومن خلف واشنطن والغرب المستكبر.
المتوقع أن يساعد الاحتلال نظام آل خليفة على قمع الشعب والتجسس عليه وتعذيبه في السجون، وبالتالي تعمق الأزمة السياسية والحقوقية القائمة. نظام يسعى لتحويل البحرين إلى فلسطين آخرى، ثم إن هذا النظام المطبع يحوّل البلاد -يومًا بعد يوم وبأسلوب دبلوماسي “مبتذل”- إلى منصة استخباراتية تهدد أمن شعب البحرين وشعوب المنطقة، بدعم أمريكي وغربي مفتوح.
سقط التضليل والتشويش والشعارات الفارغة بشأن فلسطين؛ الثابت الوحيد هو خيار المقاومة ولو بصدورٍ عارية. وحده شعب فلسطين السبّاق لصناعة تاريخه بنفسه، أما الأنظمة المجرمة فقد أفرطت في تعريها أمام الاحتلال. كمت أثبتت الشعوب وعيها وإيمانها وارتباطها بفلسطين رغم كل ما تقاسيه من ظلم ممنهج.