لم يشهد العالم المعاصر مشروعاً استعمارياً يعتمد على أساطير دينية وسياسية ويستخدم الخداع والتضليل مثل المشروع الصهيوني. وهو يقوم على خرافة مفادها أنّ اليهود -شعب الله المختار- يحقّ له تأسيس دولة خاصة بـهم رغم تأكيد التاريخ بأن السكان الأصليون لفلسطين هم الكنعانيون، وقد عاشوا فيها قبل ظهور النبي موسى بآلاف السنين.
معظم اليهود الذين احتلوا فلسطين ينتمي إلى قبائل من أصول أوروبية شرقية تسمى “الخزر”. ما بين منتصف القرنين الثامن والتاسع، ولأسباب سياسية بحتة، اعتنق هؤلاء اليهودية إبان الحرب العالمية الأولى كي تضمن بريطانيا عدم قيام دولة عربية موحّدة في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. بعد تراجع الدور البريطاني، برزت الولايات المتحدة الأميركية لتكمل هذا الدور الاستعماري الخبيث ولضمان خضوع المنطقة الدائم للهيمنة الغربية.
بعد نجاح ثورة إيران، خشي الكيان أن تطبق استراتيجية الإمام الخميني للتصدّي للمشروع الصهيوني. فتعاون مع حلفائه الغربيين، في استدراج العراق نحو حرب ضد إيران امتدّت لثماني سنوات. لكن إيران أثبت أنها الأقوى في المواجهة لا سيما بعد أن حرر حزب الله الجنوب اللبناني وانتصاره في حرب 2006، وأخيرًا انتصاره في حرب 2024 الذي شكّل نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الصراع مع الكيان.
لأسباب عديدة أهمها برنامجيها النووي والصاروخي، شكلت إيران تهديداً وجودياً له خاصةً دورها في تسليح فصائل المقاومة في غرب آسيا، لذا نتنياهو أيقن بأن الحساب مع إيران يجب أن يصفّى بالكامل خصوصاً بعد أن شنّت عليه هجومين بالصواريخ باليستية محذرةً أنها تستعدّ لهجوم ثالث أكثر إيلاماً وبالتوقيت الذي تختاره، وذلك بالتزامن مع تصريحاتها عشية دخول اتفاق إطلاق النار مع لبنان حيز التنفيذ.
إسرائيل تخرق اتفاق وقف النار وتهدّد لبنان
يواصلَ العدو الإسرائيلي خروقاته في عدة مناطق لبنانية. رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي قال أن حكومته «كثّفت الاتصالات الدبلوماسية للتشديد على أولوية استتباب الأوضاع لعودة النازحين إلى بلداتهم ومناطقهم وتوسعة انتشار الجيش في الجنوب».
مصادر مطّلعة كشفت أن «الاتصالات تركّزت مع باريس لاستعجال إيفاد مندوبها في لجنة الإشراف للمباشرة بعملها، ما قد يحرج العدو الإسرائيلي». ومن المتوقّع أن يصل المندوب الفرنسي إلى لبنان برفقة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو.
كما أبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر بـ«ضرورة التزام جميع الأطراف بالاتفاق». بدوره، صرح الموفد الأميركي عاموس هوكشتين أن «استمرار وقف إطلاق النار يحتاج إلى ضبط النفس من كل الأطراف».
من جهته، دعا وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال زيارة للحدود الشمالية، دعا الحكومة اللبنانية إلى «تفويض الجيش اللبناني لـ: القيام بدوره؛ إبعاد حزب الله عن الليطاني؛ وتفكيك بنيته التحتية بالكامل».
كاتس هدد: «إذا انهار وقف إطلاق النار، فلن يكون هناك أي استثناء للدولة اللبنانية. سننفذ الاتفاق بأقصى قدر من التأثير وعدم التسامح. إذا كنا حتى الآن نفرق بين لبنان وحزب الله، فلن يظل الوضع هكذا».
ميدانياً، تراجعت حدة الاعتداءات الإسرائيلية الجوية، لكن توسّعة التوغل البري كانت لافتة نحو مناطق أعمق لم يصل إليها العدو من قبل.وذلك بعد أن نفّذ حزب الله «ردّا دفاعياً أولياً تحذيرياً» مستهدفًا موقع رويسات العلم الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة.
رسالة حزب الله الحازمة أكّدت أن الخرق يقابله الخرق وأنه جاهز ما يضرب سردية الانتصار التي ادعاها نتنياهو خلال خطابه الأخير.
رغم أنه كان المبادر بطلب وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، نتانياهو لا زال مخدوعًا بأنه ألحق هزيمة ساحقة بحزب الله. لذا تحول نحو باتجاه سوريا لإشغالها بصراع داخلي واسع النطاق. يأمل بذلك نتنياهو أن يقطع الإمدادات العسكرية عن حزب الله. لكن حسابات نتنياهو ستخيب والسحر سينقلب سريعاً على الساحر كما في كل الجولات.
تحذير حزب الله دفع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى الطلب من وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي دون ديرمر «الخروج ببيان علني مفاده أن إسرائيل تحترم وقف إطلاق النار ولن تنسحب منه».
وأشارت القناة 13 العبرية إلى أن المسؤولين الإسرائيليين «أكّدوا للحكومة الأميركية التزام وقف إطلاق النار». لكن نتنياهو قال: «أننا في حالة وقف إطلاق نار وليس نهاية الحرب»، مشيرًا إلى «أننا ننفذ وقف إطلاق النار في لبنان بقبضة من حديد. ونتحرك ضد أي انتهاك سواء كان بسيطاً أو جسيماً». هذا التصريح قد فُسّر إصراراً على الخروقات لتكريس مبدأ «حرية الحركة» باستهداف لبنان.
الخروقات الإسرائيلية تؤكد فشل كيان الاحتلال المؤقت في تحقيق أياً من الأهداف الاستراتيجية، إذ لم يؤدّ اغتيال قادة حزب الله وضرب جزء من قدراته العسكرية إلى انهياره. لذلك، تحوّل الإحتلال إلى وضعية استعراض “القدرات” أمام الداخل الإسرائيلي للإدعاء بأن يده هي العليا.
مصادر مطلعة قالت لـ«رويترز» إن اللجنة المعنية بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار ستعقد أول اجتماع لها الخميس بعد وصول ممثل فرنسا في اللجنة الجنرال جيوم بونشين إلى بيروت. لكن مكان عقد اللقاء لم يُحسم بعد بسبب تحفظ الجانب اللبناني عن دخول ممثل العدو الإسرائيلي في اللجنة إلى مقر قيادة اليونيفل في الناقورة داخل الأراضي اللبنانية.