وصل كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين إلى بيروت. توقيت زيارة هوكستين المُفاجأة إلى لبنان تأتي بين خطابين للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وهو يعكس خوف واشنطن الحقيقي من توسع الصراع في المنطقة، خاصةً الخشية من تفعيل معادلة “المدني مقابل المدني”.
زيارات عدة ومتتالية قام بها المسؤولون الأمريكيون الى بيروت لتهديد حزب الله فواشنطن تضغط لوقف عمليات المقاومة من الجهة اللبنانيّة. السيد نصرالله قد أكد مرارًا بأن المقاومة لن تسمح للعدو بأن يستفرد بالمقاومة الفلسطينية. تصرف آموس هوكستين في لبنان وكأنه مندوبًا ساميًّا؛ تصرف مستفز جدًّا خرج عن الأعراف الدبلوماسية وعن وظيفته المعلومة، أي ترسيم الحدود.
الأخطر في زيارة هوكستين هو محاولته البائسة نزع تعهد رسمي من الجهات اللبنانية لوقف عمليات المقاومة المساندة للفلسطينيين، نظرًا لما تسهم به هذه العمليات في إضعاف العدو وتخفيف الضغط عن الفلسطينيين.
يخشى العدو من قدرات الدفاع الصاروخي لجبهة لبنان خاصةً بعد فشل أنظمة القبة الحديديّة في اعتراض الصواريخ، وهذا ما يفسر تفريغ أكثر من ٤٠ مما تسمى “مستوطنات” من المحتلين الصهاينة. هؤلاء اليوم -نحو ٦٥٠٠٠ شخص- يرفضون العودة مما يشكل ضغط كبير على حكومة العدو المأزومة.
في هذه الغضون، وبعد شهر على حرب “طوفان الأقصى”، يتضح حد الإنقسام الحاد في “كابينت الحرب” المؤلف من نتنياهو، وزير أمنه يوآف غالانت، ووزير الحرب غانتس. هذا الكابينت قد أخفق في توحيد موقفه ما أثار موجة إنتقادات شديدة في الوسط الصهيوني. يعقد هؤلاء مؤتمرات صحفية منفصلة، ما يعكس فشل ذريع في إدارة الأزمة، وتفاقم أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم في كيان الإحتلال، في ظلّ خيبة الأمل الكبرى من أداء الجيش الإسرائيلي إذ أرتفع عدد قتلاه، منذ 7 أكتوبر، إلى 349، وفي ظل فشل الحكومة في التعامل مع قضية الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية.
يتقاذف الثلاثة التهم، وهذا حتمًا سيعزز لاحقًا القضاء على مستقبل نتنياهو، كما سيوسع الإنقسام الحاد القائم داخل الكيان الهشّ والمتصدع، خاصةً بين اليمينيين والليبراليين. في المقابل تتعزز جبهة المقاومة الفلسطينية المتمسكة بثوابتها وشروطها المرتبطة بمستقبل غزة بعد مرور عقدين على الحصار التام والكامل الذي حرم المدنيين في غزة من أبسط إحتياجاتهم الإنسانيّة. خطاب جبهة المقاومة ثابت ومتزن و واضح على عكس الإحتلال.
يتكبد الإحتلال في حربه الشعواء الكثير من الخيبات ويعجز عن تقديم أي إنجاز بطولي، إحباط تام. في السياق، حذرت مجلة “أتلانتيك” الأميركية أنه في حال كان العدو يسعى إلى كسب الحرب فذلك يتوجّب عليه عدم تحديد أهداف “متطرفة” لأنه سيفشل كما فشل خلال 2006 مع حزب الله. لا هم استطاعوا إبادة “حزب الله” ولا استطاعوا إستعادة أسراهم، بل ويتعنتون في رفض وتجاهل المطالبات الدوليّة بوقف إطلاق النار المؤقت للسماح بإدخال المساعدات الإنسانيّة.
مسألة وقف إطلاق النار مرفوضة تمامًا بضوء أخضر أمريكي لأن واشنطن تعتبر ذلك إنتصارًا لحماس. وهذا بالتالي يعني تواصل الجرائم والمذابح بحق أطفال ونساء غزة. واشنطن تدافع عن الإحتلال لأنه كيان وظيفي يحمي مصالحها الإمبرياليّة في غرب آسيا. رغم ذلك، المقاومة الفلسطينية مصرّة على مواجهة العدوان وتكبيد العدو المذلات في الميدان من مسافة صفر.
التفوق الصهيوني سقط؛ عجز تام وفقدان لإعادة القتل رغم إمتلاكه أحدث التقنيات العسكريّة والإستخبارتيّة. حرب عبثية يديرها ويمولها الغرب الإمبريالي، لكن المقاومة الفلسطينية تسجل بطولات اسطوريّة استثنائية.
عقيدة الصهاينة هي القتل والترهيب، أما عقيدة المقاومة المشروعة فهي الدفاع عن الأرض والعرض والإنسان. كيان الإحتلال عقيدته الدموية فشلت خلال تجارب عدة لكنه لم يفقه الدرس بسبب تعنت قيادته ومن يقف خلفهم وتوهمهم بشأن القدرة على شلّ حركة المقاومة المشروعة.