الخطر الحقيقي على إسرائيل يأتي من الشمال وليس غزة
الخلاف بين نتنياهو ووزير دفاعه
العلاقات بين رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لم تعد مجرد تباين سياسي. بل تتجاوز إلى مستويات أعمق تتعلق بالاختلاف في الرؤية الاستراتيجية حول مستقبل الأمن الإسرائيلي. ففي تصريحات غالانت الأخيرة، وضح أن هناك رؤيتين متنافستين داخل الحكومة الأمنية حول كيفية التعامل مع التهديدات الأمنية التي تواجه الكيان الصهيوني.
وعلى مدى السنوات، كان نتنياهو قد تمسك مع معسكر اليمين المتطرف بفكرة أن القضاء على حركة حماس في قطاع غزة هو السبيل الوحيد لضمان الأمن الإسرائيلي على المدى البعيد. وهذه الرؤية اعتبرت استراتيجية دائمة للكيان المحتل للحفاظ على تفوقه العسكري والسياسي في المنطقة. في المقابل، لم يقتنع أحد من القادة السياسيين في الغرب أو الولايات المتحدة، الذين يدعمون هذا الكيان، بواقعية هذا الهدف. إذ يرون أن تحقيق هذا الطموح سيكون مستحيلاً وأن الإصرار عليه يعني استمرار الحرب إلى ما لا نهاية.
رؤية غالانت وفرصة الهدنة
يوآف غالانت، الذي عارض مراراً معسكر نتنياهو في عدة مناسبات سياسية، تحدث مؤخراً عن الهدنة مع حماس واعتبرها “فرصة استراتيجية” للكيان المحتل لإعادة تقييم سياسته الأمنية في جميع الجبهات. وكان تركيزه الأساسي هو إعادة الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس. وهذه الأولوية تعكس رؤيته بأن الحفاظ على حياة الأسرى أهم من المضي قدماً في القتال غير المجدي في غزة.
غالانت أبدى دعمه للمرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع. تتضمن الخطة أيضاً تبادلاً للأسرى بين الجانبين، حيث يتم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق حماس للأسرى الإسرائيليين، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة.
فمن وجهة نظر غالانت وبالنسبة له، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة قد حققت أهدافها. حيث يرى أن حماس “كقوة عسكرية” لم تعد تشكل تهديداً وجودياً للكيان المحتل. وأضاف أن جيش الكيان الإسرائيلي لا يزال يلاحق مقاومي حماس ويطارد قادتها… ولكن حماس الآن تقاتل من خلال “حرب عصابات”، مما يقلل من قدرتهم على تشكيل تهديد مباشر وقوي كما كان في الماضي.
غانتس: التهديد من الشمال أكبر
في واشنطن، وبينما كان وزير دفاع الكيان الإسرائيلي يعبر عن رؤيته، كان رئيس الأركان الأسبق وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس يطرح رؤية مشابهة ولكن من زاوية مختلفة. غانتس أكد أن التهديد الرئيسي لإسرائيل لا يأتي من الجنوب، بل من الشمال. حيث يرى أن حزب الله اللبناني، يمثل التهديد الأكبر على المدى الطويل.
غانتس قال في منتدى حول الشرق الأوسط بواشنطن… إن إسرائيل تأخرت كثيراً في التعامل مع التهديد المتزايد من حزب الله وإيران على الحدود الشمالية. وأشار إلى أن هناك حاجة ملحة الآن لتركيز الاهتمام الإسرائيلي على هذا الجانب قبل أن يصبح الوضع خارج السيطرة. وتعكس هذه التصريحات قلقاً حقيقياً في صفوف بعض القادة الإسرائيليين من أن التهديد الذي تمثله حماس قد يكون ضئيلاً مقارنة بما يمكن أن يقوم به حزب الله.
معسكر نتنياهو واليمين المتطرف
على الجانب الآخر، لا يزال نتنياهو ومعسكره يرون أن حزب الله وإيران لا يمثلان تهديداً عاجلاً. فهما، حتى الآن، ملتزمان بسياسة ضبط النفس وتجنب التصعيد مع الكيان المحتل. هذه السياسة، بحسب وجهة نظرهم، تعني أن حزب الله وإيران ليسا في وارد القيام بتحركات عسكرية كبرى ضد الكيان الصهيوني في الوقت الحالي.
لكن التقدير الذي يعتمد عليه معسكر نتنياهو يبدو أنه يقلل من قدرات حزب الله العسكرية وقدرته على التحرك عندما يحين الوقت المناسب. فحزب الله، الذي يتمتع بدعم عسكري ومالي كبير من إيران، يمتلك ترسانة صاروخية متقدمة وقوات ميدانية مدربة قادرة على شن هجمات مكثفة ومفاجئة. وهذا يجعل من حزب الله تهديداً أكبر بكثير مما يمكن أن تمثله حماس.
تحليل القدرات والتهديدات
ولايخفى على أحد أن التهديد الحقيقي للكيان المحتل يبقى على الحدود الشمالية. فحزب الله يمتلك آلاف الصواريخ المتطورة التي يمكنها أن تضرب العمق الإسرائيلي بدقة. كما أن لديه قدرات على شن هجمات برية، مما يعني أن الصراع معه سيكون أكثر تعقيداً وأشد دموية من القتال ضد حماس.
وإنّ التقديرات الاستخباراتية تشير إلى أن حزب الله يتجهز لخوض حرب شاملة ضد الكيان المحتل في حال تم استهداف إيران أو في حال قررت تل أبيب توجيه ضربات استباقية للبنية التحتية العسكرية لحزب الله في لبنان. هذه التهديدات ليست مجرد تكهنات، بل تستند إلى سنوات من التصعيد المتبادل والتحضير العسكري المستمر من الجانبين.
تهديد وجودي للاحتلال
في نهاية المطاف، وسواء كانت المواجهة مع حماس في غزة أو مع حزب الله في الشمال… فإن كلا الصراعين يمثلان تهديداً وجودياً للكيان المحتل. كما إن استمرار الاحتلال وممارساته القمعية ضد الفلسطينيين، سواء في غزة أو الضفة الغربية، يزيد من تصاعد المقاومة ويعزز من قوة هذه الحركات على المدى الطويل.
حماس، رغم الضربات العسكرية التي تلقتها، لا تزال قادرة على تنفيذ عملياتها وإثارة الرعب في العمق الإسرائيلي. حزب الله، من جانبه، يمتلك قدرات عسكرية متقدمة ودعماً إيرانياً يمكن أن يقلب موازين القوى في المنطقة بشكل كبير. إذا اندلعت مواجهة شاملة مع حزب الله، فإن الدمار سيكون أكبر بكثير مما شهده الاحتلال في مواجهاته السابقة. إسرائيل تواجه تهديدات تتجاوز حدودها. كل مواجهة مع هذه القوى المقاومة تقربها خطوة نحو السقوط. هذه الصراعات تؤكد أن كيان الاحتلال، رغم قوته العسكرية، ليس مستداماً في وجه مقاومة عنيدة وعالم يتغير بسرعة. والنتيجة النهائية، إن لم تتغير المعادلات، قد تكون زوال هذا الكيان من الوجود.