بين مخاوف الانتفاضة والتداعيات الإقليمية
تسارعت الأحداث في الضفة الغربية المحتلة مع تصاعد الإجراءات الإسرائيلية وتكثيف العمليات العسكرية ضد المدن والقرى الفلسطينية. بعد مرور نحو 11 شهراً على اندلاع الحرب في قطاع غزة، يبدو أن حكومة الكيان الإسرائيلية قررت توسيع نطاق عملياتها لتشمل الضفة الغربية، فيما يظهر كخيار وحيد لاستعادة السيطرة في مواجهة تصاعد حركات المقاومة الفلسطينية.
التصعيد العسكري: قصف وحواجز وانتشار عسكري
شهدت مناطق متعددة في الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق، حيث شنت القوات الإسرائيلية قصفاً جوياً على مخيم طولكرم، وفرضت حواجز عسكرية عند مداخل المدن والبلدات الفلسطينية، مما أدى إلى تعقيد حركة المواطنين وتزايد التوتر. تزامن ذلك مع تسجيل عدة هجمات من قبل المستوطنين على المدن الفلسطينية، في ظل غياب أي تحرك جدي من قبل الحكومة الإسرائيلية لإدانة هذه الاعتداءات.
وفي هذا السياق، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إطلاق الجيش عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، تستمر لأسابيع. الهدف المعلن للعملية هو مواجهة “التهديدات المتزايدة” من قبل مجموعات المقاومة الفلسطينية. ولتحقيق هذا الهدف، تم استدعاء أربع كتائب إضافية لتعزيز القوات الموجودة هناك، ما يعكس النية الواضحة لتصعيد العمليات.
تصريحات وتحذيرات: هل تنتظر المنطقة انتفاضة جديدة؟
الإعلان عن العملية العسكرية تزامن مع تحذيرات متكررة من قبل قيادات أمنية إسرائيلية من احتمال انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة وحدوث انتفاضة جديدة. هذه التحذيرات لم تأت من فراغ، إذ يرى العديد من المسؤولين الإسرائيليين أن الوضع في الضفة الغربية يسير نحو مزيد من التصعيد، خصوصاً في ظل ارتفاع حدة التوترات بين المستوطنين والفلسطينيين.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” كانت قد نقلت عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قلقهم من أن توسع دائرة المواجهات قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، وهو ما سيشكل تهديداً كبيراً على الجبهة الداخلية لإسرائيل، خصوصاً مع التحديات العسكرية المستمرة في قطاع غزة والمواجهات المحتملة مع حزب الله في الشمال.
العوامل المحفزة للتصعيد: من عنف المستوطنين إلى انهيار السلطة الفلسطينية
لطالما حذر المحللون والخبراء الأمنيون في إسرائيل من خطورة تصعيد العنف في الضفة الغربية، مشيرين إلى عدد من العوامل التي قد تؤدي إلى اشتعال الوضع بشكل غير مسبوق. من أبرز هذه العوامل: عنف المستوطنين المتزايد، ارتفاع معدلات البطالة بين الفلسطينيين، وأخيراً، تدهور وضع السلطة الفلسطينية الذي قد يصل إلى حد انهيارها.
هذا التصعيد من قبل المستوطنين لم يمر دون ملاحظة، إذ رصدت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات لعدد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أكدوا فيها نيتهم منع قيام دولة فلسطينية. هذه التصريحات جاءت في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً غير مسبوق، مما يعزز المخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهات أوسع.
ردود الفعل داخل حكومة الكيان الإسرائيلي: رسالة رئيس الشاباك تثير الجدل
في خضم هذا التصعيد، وجه رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونان بار رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حذر فيها من أن “الجريمة القومية التي يرتكبها اليهود ضد الفلسطينيين تتقدم في اتجاه يؤدي إلى إراقة الدماء وتغيير وجه البلاد إلى درجة لا يمكن التعرف عليها”. هذه الرسالة أثارت جدلاً واسعاً داخل الحكومة، حيث انسحب وزير الأمن القومي بن غفير من جلسة الحكومة، مطالباً بإقالة رئيس الشاباك ومزيد من الدعم للمستوطنين.
تأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية، حيث يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية وخارجية. في الداخل، يتعرض لانتقادات من قبل أعضاء حكومته ذاتها، بينما يواجه ضغوطاً من المجتمع الدولي بسبب السياسات التصعيدية تجاه الفلسطينيين.
التأثيرات الإقليمية: هل تتسع رقعة الصراع؟
التصعيد في الضفة الغربية لا يمكن عزله عن السياق الإقليمي. فالكيان الإسرائيلي يواجه تحديات متعددة على جبهات مختلفة، من قطاع غزة إلى الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا. وفي ظل هذا الوضع المعقد، قد يؤدي التصعيد في الضفة إلى إشعال فتيل صراع أوسع يمتد إلى مناطق أخرى.
التصريحات الصادرة عن قيادات حزب الله حول دعم المقاومة الفلسطينية، وتحركات جماعات المقاومة المسلحة في غزة، كلها مؤشرات على أن التصعيد قد يتوسع ليشمل مناطق أخرى. إذا استمر هذا الوضع، فإن احتمال اندلاع مواجهة إقليمية أوسع يصبح وارداً، وهو ما قد يدفع المنطقة بأسرها إلى دوامة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.
ختاماً: ما هو المستقبل القريب للضفة الغربية؟
في ظل هذا التصعيد المستمر، يبدو أن الضفة الغربية تتجه نحو فترة من عدم الاستقرار الطويل. العملية العسكرية الإسرائيلية قد تزيد من تأجيج الوضع، وتدفع بالمزيد من الفلسطينيين إلى حمل السلاح في مواجهة الاحتلال. ومع تزايد العنف من قبل المستوطنين وعدم وجود حلول سياسية في الأفق، قد تكون المنطقة على شفا انتفاضة جديدة، لن تقتصر تأثيراتها على الأراضي المحتلة فقط، بل ستمتد إلى المنطقة بأسرها. هذه التطورات تستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي للضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات، حيث أن البديل قد يكون دماراً واسعاً يصعب احتواؤه.