نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلية عن مصدر أمني أنه عند التاسعة من صباح الاثنين، 7 يناير 2024، هاجم 3 مقاومين فلسطينيين حافلة ومركبات تقل إسرائيليين قرب «مستوطنة كدوميم».
تسمى المستوطنة كذلك نسبةً لقرية كفر قدوم الفلسطينة المحتلة شرقي قلقيلية شمالي الضفة الغربية.
تجدر الإشارة إلى أن من بين المقاومين الثلاثة اثنان معروفان لدى «الشاباك» (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي).
وقد أسفرت العملية عن مقتل 3 مستوطنين وإصابة 9 آخرين بجروح، جراح أحدهم خطيرة.
بعد دقائق من وقوع العملية، سارعت قوات الاحتلال إلى تطويق المنطقة، وشرعت بملاحقة المنفذين برًّا وجوًا. كما نصبت عشرات الحواجز المتحركة.
وأغلقت الحواجز الثابتة المحيطة خاصة في المنطقة الشرقية لقلقيلية، كذلك أغلقت كل الحواجز المؤدية إلى نابلس.
وشددت من إجراءاتها الأمنية ما عطّل حركة آلاف الفلسطينيين المتنقلين بين مدنهم وقراهم، حيث جرى احتجاز الكثير منهم وخاصة طلبة الجامعات.
بدورهم، سارع المستوطنون لمهاجمة الفلسطينيين، فنصبوا الكمائن على الطرقات العامة. واعتدوا على مركبات المواطنين ورشقوها بالحجارة.
كما هاجموا القرى الفلسطينية شرقي قلقيلية وجنوبي نابلس واعتدوا على سكانها وأحرقوا ممتلكاتهم. وحشدوا لتجمعات عند مفارق الطرقات، وأطلقوا مسيرات من المستوطنات القريبة نحو مكان العملية.
في الغضون، بثت منصات إعلامية فلسطينية مشاهد من موقع عملية إطلاق النار، حيث انتشرت قوات الاحتلال، وبدأت عملية بحث واسعة عن المنفذين.
بحسب شهود عيان، أغلق جيش الاحتلال مداخل قلقيلية وبلدات عدة شمالي الضفة، إضافة إلى شارع عام يربط نابلس وقلقيلية حيث شرع بـ سحب تسجيلات كاميرات مراقبة في البلدة وبلدات مجاورة.
كما دفع بتعزيزات عسكرية لبلدة الفندق، فيما هاجم مستوطنون مركبات الفلسطينيين قرب قرية بورين جنوب نابلس عقب العملية. وجرى اعتقال عددًا من عمال مصنع في قرية إماتين شرقي قلقيلية.
حركات المقاومة تشيد بالعملية
في بيانٍ لها، أشادت «حركة حماس» بالعملية واعتبرتها «ردًّا بطوليًّا على ارتكابات العدو بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وعدوان المستوطنين وخاصة جماعات الهيكل بحق المسجد الأقصى والمقدسات.»
وأضافت «تمثل هذه العملية رسالة لحكومة الاحتلال المتطرفة ووزرائها، بأن في الضفة وغزة والداخل المحتل وكل أرض فلسطين شعب حر أبيّ ثائر لن يفرط بحقه، وأن المقاومة مستمرة حتى زوال الاحتلال عن كامل أرضنا.»
«حركة حماس» دعت إلى «تصعيد المقاومة، ولمزيد من الاشتباك والعمليات الموجعة في كافة المناطق داخل أرضنا المحتلة، وإفقاد المحتل ومستوطنيه الأمن، وإفشال مخططاته الخبيثة بالضم والتهجير.»
من جهتها، وضعت «حركة الجهاد الإسلامي» العملية في خانة «الرد الطبيعي» على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة والضفة.
واعتبرت أن «استمرار العمليات البطولية التي ينفذها أبناء شعبنا يؤكد تمسك شعبنا الفلسطيني بأرضه وإصراره على طرد الاحتلال منها، ويوصل رسالة إلى قادة الكيان بأن كل جرائمهم وإرهابهم لن يزيدنا إلا إصراراً على مواصلة المقاومة.»
تهديدات صهيونية
تعليقًا على العملية البطولية، قال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي: «سنصل إلى القتلة، وسنحاسبهم مع كل من ساعدهم، ولن نستثني أحدا.»
وعلى منصة «إكس»، كتب بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، الذي يقطن في «مستوطنة كدوميم» قرب مكان العملية: «من يثق بالسلطة الفلسطينية للحفاظ على سلامة مواطني إسرائيل، يستيقظ على مقتل سكان يهودا. الفندق ونابلس وجنين يجب أن تصبح مثل جباليا.»
ودعا سموتريتش إلى عقد «جلسة عاجلة للحكومة لتغيير النظرة والقضاء على الإرهاب في الضفة الغربية» زاعمًا أن «الإرهاب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] هو ذات الإرهاب في غزة وإيران، ويجب هزيمته.»
أما إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، فقد حذر من أن «من يسعون إلى إنهاء الحرب في غزة سيحصلون على حرب في الضفة الغربية». بن غفير حثّ إيلي كوهين، وزير الطاقة الإسرائيلي، على أن «تُعامل جنين ونابلس مثل الشجاعية وبيت حانون.»
من جهته، حذر يسرائيل كاتس، وزير الحرب الإسرائيلي «من يتبع طريق حماس في غزة ويرعى قتل اليهود وإيذاءهم» بأنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا، كاشفًا أنّه دعا الجيش لـ «التحرك بقوة في أي مكان يتجه إليه القتلة.»
وخاطب يائير لبيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، الحكومة الإسرائيلية متهمًا إياهم بأنهم «يقودون إسرائيل من كارثة إلى أخرى.»
بدوره، توعد أكا يوسي دغان، رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، بمزيد من الإجراءات العسكرية. وقال «لو كانت الحواجز مغلقة وهناك فحص لمن يخرج من نابلس، لم تقع العملية.» يوسي دغان طالب الحكومة والجيش الإسرائيليين بـ «بدء مصادرة السلاح ومحاربة أبو مازن الذي يسمح بمثل هذه الأحداث.»
أهمية العملية
تدل المواقف الغاضبة للقيادات الإسرائيلية على حجم الإرباك خصوصًا أن الضفة الغربية تعد مركزًا أساسيًّا لعمليات العدو العسكرية والأمنية المتواصلة. فقد فشلت «كاسر الأمواج»، «جزّ العشب»، «البيت»، «الحديقة» ما يؤكد فشل التهديد والردع في الضفة.
خلال العام 2024، نجحت المقاومة في قتل 48 فيما أصيب أكثر من 380 إسرائيلي، وفق «مركز معلومات فلسطين».
«عملية كدوميم» ليست الأولى التي ينفذها الفلسطينيون، لكنها تميزت بتأثيرها الكبير وآليتها حيث نجح المقاومون بالانسحاب من الموقع المعروف بحصانته الأمنية المشددة (محاط بنحو 20 بؤرة استيطانية.
لذا تشكل العملية، من حيث الزمان والمكان وجغرافية المنطقة وطبيعتها الأمنية، اختراقًا كبيرًا في المعادلات الأمنية التي يفرضها كيان الإحتلال في الضفة الغربية.
من أهم عوامل نجاح العملية أن المنطقة تشهد احتكاكًا مباشرًا بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ويعكس نجاح المنفذين بالوصول للمكان بسرية تامة تخطيطًا دقيقًا، ويبرز قصورًا استخباريًّا لدى العدو في الضّفة.
بالنسبة إلى توقيت العملية، فقد وقعت في ذروة أمنية واسعة النطاق، حيث ينصب العدو حواجز ويشن حملات اعتقال واقتحامات متواصلة، فضلًا عن الرقابة الرقمية والاستطلاعية العالية.