الكيبوتس ليس مجرد نمط حياة أو نوع من الاستيطان، بل هو حجر الزاوية في قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي. منذ تأسيس أول كيبوتس في بدايات القرن العشرين، لعبت هذه التجمعات التعاونية دورًا حاسمًا في تحقيق الأهداف الصهيونية. ومع تسليط الأضواء على الكيبوتس خلال الحرب العدوانية على غزة في أكتوبر 2023، يصبح من الضروري فهم أبعاد هذا الدور وكيف ساهم في تشكيل المجتمع الإسرائيلي.
نشأة الكيبوتس وتطوره التاريخي
بدأت فكرة الكيبوتس بالظهور في أوائل القرن العشرين، بالتزامن مع بدء الهجرة اليهودية إلى فلسطين. تأسس أول كيبوتس عام 1909 بالقرب من بحيرة طبريا، وهو كيبوتس “دغانيا”. كان هذا الكيبوتس نموذجًا للتعاون الزراعي الجماعي حيث يتقاسم الأعضاء العائدات والمسؤوليات.
تأسيس الكيبوتسات جاء ضمن استراتيجية صهيونية لتثبيت الوجود اليهودي في فلسطين. عبر دعم مالي وتنظيمي من قبل الصندوق القومي اليهودي، تمكن المستوطنون اليهود من شراء أراضٍ وإقامة مستوطنات زراعية جماعية. تطورت هذه المستوطنات بمرور الوقت لتصبح قاعدة قوية لدعم المشاريع الصهيونية في فلسطين.
دور الكيبوتس في الهجرة والاستيطان
الكيبوتسات كانت محطات رئيسية لاستقبال المهاجرين اليهود الجدد. قامت بتدريبهم على الحياة الزراعية والعمل الجماعي، مما ساعدهم على التكيف مع الظروف الجديدة في فلسطين. كان هذا التدريب حيويًا لنجاح المشروع الصهيوني في خلق مجتمع يهودي قادر على الاكتفاء الذاتي والدفاع عن نفسه.
الكيبوتسات أيضًا ساعدت في تعزيز الاستيطان اليهودي في المناطق الريفية الفلسطينية. من خلال سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي، أصبحت هذه التجمعات التعاونية أداة فعالة في تحقيق أهداف الاستيطان الصهيوني. كانت الأراضي الزراعية المنتجة عامل جذب قوي للمهاجرين، مما أدى إلى تعزيز التواجد اليهودي في فلسطين.
الكيبوتس كمنصة للتنظيم والدفاع
لم يكن دور الكيبوتس مقتصرًا على الزراعة فقط. بل تحول إلى مركز لتنظيم المقاومة اليهودية ضد العرب والفلسطينيين. قبل قيام الكيان الإسرائيلي، كانت الكيبوتسات مقرات لتدريب المليشيات اليهودية مثل “الهاغاناه” التي شكلت النواة الأولى للجيش الإسرائيلي.
كما أن هذه التجمعات كانت مناطق استراتيجية للدفاع خلال الصراعات مع السكان الفلسطينيين. توفرها على البنية التحتية، والموارد، والمواقع الجغرافية المميزة، جعل منها مواقع دفاعية حيوية. لذا، لم تكن الكيبوتسات مجرد مستوطنات زراعية، بل كانت أيضًا معاقل أمنية.
دور الكيبوتس في الاقتصاد الإسرائيلي
مع تطور الكيان الإسرائيلي، تطور أيضًا دور الكيبوتس في الاقتصاد. لم يعد الإنتاج الزراعي هو النشاط الرئيسي، بل تنوعت أنشطتها لتشمل الصناعة والخدمات. بعض الكيبوتسات أصبحت مراكز صناعية تنتج منتجات غذائية وتقنيات زراعية متقدمة يتم تصديرها إلى الخارج.
الإنتاج الزراعي للكيبوتسات يساهم بنسبة كبيرة من إجمالي الإنتاج الزراعي للكيان الإسرائيلي، حيث تصل مساهمته إلى حوالي 40% من الإنتاج الزراعي و11% من الإنتاج الصناعي. هذا يعكس الدور الاقتصادي الحيوي للكيبوتسات في دعم الاقتصاد الإسرائيلي.
الكيبوتس في المجتمع الإسرائيلي المعاصر
على الرغم من أن الكيبوتسات لم تعد تعتمد كليًا على الزراعة، إلا أنها ما زالت تحتفظ بأهميتها الاجتماعية والاقتصادية. اليوم، يقدر عدد سكان الكيبوتسات بحوالي 130 ألف نسمة، أي ما يعادل 2.5% من سكان إسرائيل.
تتميز الكيبوتسات بنمط حياة جماعي حيث يشارك الجميع في اتخاذ القرارات من خلال انتخاب لجان محلية تدير الشؤون المختلفة كالمالية، التخطيط، والإنتاج. ومع خصخصة بعض الكيبوتسات، مثل “كيبوتس دغانيا” عام 2007، تحولت بعض الكيبوتسات إلى نماذج تجمع بين الحياة الجماعية والتوجهات الرأسمالية الحديثة.
الخاتمة
الكيبوتس لم يكن مجرد تجمع زراعي، بل كان جزءًا لا يتجزأ من المشروع الصهيوني الذي أدى إلى تأسيس الكيان الإسرائيلي. من خلال دوره في الاستيطان، الهجرة، الدفاع، والاقتصاد، ساعد الكيبوتس في بناء أساسات المجتمع الإسرائيلي. حتى اليوم، يظل الكيبوتس رمزًا لتلك الفترة التاريخية حيث التقى العمل الزراعي مع الطموحات السياسية الصهيونية لتشكيل كيان استيطاني قوي في قلب فلسطين.