لا تقتصر تبعات عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من حرب انتقامية إجرامية على الخسائر البشرية والإخفاقات الميدانية الكبيرة والكثيرة لجيش الاحتلال، بل تجاوزت ذلك لتوجه صفعة مؤلمة للاقتصاد الإسرائيلي و هو ما تثبته مؤشرات عديدة. وعلى الرغم من أنّ الآثار الاقتصادية والمالية على إسرائيل ما زالت في بداياتها فإن نتائجها الأولية بدأت في الظهور، بعض هذه الآثار حدثت وأصبحت واضحة للعيان وبعضها يحدث حالياً وآثار أخرى ممكن أن تحدث لاحقا.
الخسائر والأضرار التي يتكبدها القطاعان العام والخاص ستكون كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي وستجعله يعيش أزمة لا مثيل لها في تاريخ الكيان الإسرائيلي.
انخفاض سعر صرف الشيكل كبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر باهظة، وهذا ما دفع البنك المركزي الإسرائيلي على بيع 30 مليار دولار و لأول مرة في تاريخه من أجل توفير السيولة في البنوك المحلية الإسرائيلية، كما أنّه خَصَّص 15 مليار دولار إضافية لدعم الشيكل، و رغم ذلك ما زالت العملة الإسرائيلية تواصل هبوطها أمام العملات الأجنبية.
تسهم البورصة الإسرائيلية في 57% من حجم الناتج الإجمالي للكيان الإسرائيلي البالغ 488 مليار دولار سنوياً. سجلت هذه البورصة تراجعاً حاداً وانخفاضاً كبيراً في قيمة أسهم معظم القطاعات الأساسية، وهذا ما سبب خسائر تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات في قيمتها السوقية.
أصبح قطاع التكنولوجيا وتصنيع الرقائق مهدداً بالشلل، هذا القطاع يؤمن فرص عمل ل 14% من الإسرائيليين ويساهم ب 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل وهذا ما سيزيد حجم الخسائر الاسرائيلية.
تأثر قطاع الطاقة في إسرائيل بشكل كبير بعد توقف تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب شرق المتوسط بسبب تعليق إنتاج الغاز من حقل تمار وهذا ما سيكون له أثراً بالغاً على الاستثمار في حقول الغاز.
تعرضت حركة الطيران لتخبط كبير، حيث ألغت العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها من وإلى إسرائيل وهذا ما سيؤدي الى انخفاض عدد السياح القادمين إلى إسرائيل بشكل كبير، ما سيجعل إسرائيل تتحمل خسائر كبيرة بسبب انخفاض تدفق الأموال الاجنبية إليها، حيث يساهم قطاع السياحة 2.8% من الناتج الداخلي الإجمالي لإسرائيل. فالسياحة تؤمن لإسرائيل 13.5 مليار شيكل، وتوفر 230 ألف فرصة عمل، فانخفاض إيرادات السياحة سَيُحمِّل الاقتصاد الإسرائيلي العديد من الخسائر والأضرار المادية على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية.
هروب الاستثمارات الأجنبية خارج إسرائيل وعزوف العديد من المستثمرين عن فتح استثمارات جديدة، لأن حالة الحرب وعدم الاستقرار لا تشجع على بقاء رؤوس الأموال وفتح استثمارات، وبما أن الاستثمارات الأجنبية تؤمن دخلاً كبيراً للاقتصاد الإسرائيلي فإن إسرائيل ستفقد جزءاً كبيرً من هذه الاستثمارات بسبب الحرب وبالتالي خسارتها لتدفقات رؤوس الاموال.
أمًّا ما يخص عجز الموازنة وحجم الديون، فارتفاع حجم الخسائر المادية والتي سيتم تعويضها من خلال زيادة الإنفاق على إعادة تأهيل ما تم تدميره خلال الحرب وتعويض الأهالي عن الأضرار الناجمة عن هذه الحرب سيزيد من عجز الموازنة بشكل ملحوظ. وفيما يتعلق بالديون، فقد بلغت الديون الخارجية في يوليو 2023 ما يقارب 156.3 مليار دولار، كما بلغ حجم الدين العام 60% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2022، وستزداد هذه الأرقام بشكل كبير في نهاية الحرب، لأنّ الموازنة العامة الإسرائيلية لاتستطيع تحمل عبء الأضرار الكبيرة الناجمة عن هذه الحرب، ماسيدفع إسرائيل إلى زيادة الاقتراض الخارجي.
تتكبد إسرائيل عسكرياً كلفة باهظة جرّاء عمليتها العسكرية في غزة، إذ أنّ تكلفة الصاروخ الواحد المستخدم في منظومة القبة الحديدية تصل إلى 50,000 دولار، كما أنّه يوجد في كل منظومه 10 بطاريات بتكلفه مليار دولار، حيث أن كلفة كل بطارية 100 مليون دولار، في حين أنّ كلفة الصاروخ المُرسَل من قطاع غزة لا يتجاوز 300 دولار فقط.
بشكل عام، سيكون تأثير الحرب الجارية في غزة على الاقتصاد الإسرائيلي كبيراً جداً وستقرّب إسرائيل من تباطؤ اقتصادي حاد قد يصل حد الركود.