يواصل العدو الصهيوني السعي لتطبيق مخطط التهجير عبر جعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة، وتحويل معبر رفح إلى بوابة النجاة الوحيدة. بدورها، واشنطن تواصل تسويق مشاريع ما بعد الحرب قبل انتهائها، في محاولة بائسة لاكتساب أي انجاز.
أما المقاومة الفلسطينية الباسلة فتؤكد -بعملياتها المستمرة بالزخم نفسه- ثباتها، فالحرب طويلة وغير محددة بوقت، كما أن استئناف القصف الهستيري لن يدفها إلى التنازل. وفي الجبهات المساندة، يواصل جنوب لبنان عملياته النوعية ضد المواقع الإسرائيلية، كذلك جبهتي اليمن والعراق.
بالتوازي، يزداد زخم الميادين الشعبية حول العالم مع تواصل التظاهرات في مدن وعواصم عربية واسلاميّة وغربية، من بريطانيا إلى فرنسا والدنمارك وإيطاليا ودول أوروبية أخرى إلى اليمن والبحرين وإندونيسيا، وغيرهم.
بطبيعة الحال، يتأثر الموقف الأميركي بعوامل داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي، نحن على مسافة أسابيع قليلة على نهاية 2024 وانطلاق الحملة الانتخابية، حيث أن وضع الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي -بشكل عام- مهزوز جدًّا نتيجة معارضة اليساريين والليبراليين كذلك الجالية العربية للحرب العدوانية على غزة. لكن رغم هذا فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل متواصل: 55,000 قنبلة من الوزن الثقيل فيها 2000 صاروخ من الصواريخ الذكية وزنها 2 طن، إضافة إلى حوالي 15,000 من القذائف الكبيرة، وغيرها من أساليب الدعم العسكري والدبلوماسي، في الوقت الذي تدعي أمريكا فيه بأنها لا تريد استهداف مدنيين.
نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، كان قد أطلق موقفًا مهما للغاية بأنه لا هدنة مؤقتة ولا هدنة جزئية، وهذه الهدن لن يكون فيها تبادل، التبادل والصفقات ستكون عند نهاية الحرب. هذا يؤكد سوء تقدير الموقف لدى الإسرائيلي إذ يظنّ بأن حماس أفرجت عن محتجزين مدنيين من أجل إدخال الشاحنات، ولا يمكن أن يكون هذا منطق المقاومة خاصة أنها أعلنت منذ اليوم الأول هنا هذا العدد من الأسرى خاصة الجنود الذين أخذوا من ثكناتهم العسكرية أو الجنود المدرجين على قوائم الاحتياط سيخضعون إلى نظام صفقة تبادل يتم فيه تبييض السجون الإسرائيلية من كل الأسرى الفلسطينيين.
الحاسم في هذه المعركة هو الميدان، أما ما نشاهده من مواقف إسرائيلية مرتبكة ومهزوزة يؤكد تباين الأهداف العسكرية. تسعى إسرائيل لفرض شروطها لكن المقاومة لم ولن ترضخ لتلك الضغوط وأظهرت صلابة في المفاوضات كما في الميدان.
وفي ظل العدوان على قطاع غزة، حملت نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هارس رؤية واشنطن البائسة لمرحلة ما بعد الحرب لتعرضها على القادة العرب؛ مشهد مشابه يذكر المراقب بعدوان تموز على لبنان في العام 2006، حين صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس من تل أبيب بأن حرب لبنان هي مخاض الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد، لكنها اضطرت مرغمة إلى تلبية شروط المقاومة آنذاك.
كما أن التنسيق التام بين فصائل المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أعلى مستوياته -على الصعيدين الميداني والسياسي- قبل الهدنة وخلالها، فضلًا عن تنسيق قوى محور المقاومة، وهو في أعلى درجاته. ترجم ذلك باستئناف المقاومة الإسلامية في لبنان عملياتها بعد انتهاء الهدنة مباشرة إذ جرى استهداف مواقع الاحتلال وتجمعاته.
العدو يكمل في المقابل نهج المجازر والتدمير بهدف القضاء على حماس وتحرير الرهائن بالقوة كما يزعم، وهذا ينسجم واقعًا مع موقف الولايات المتحدة، التي فشلت عبر تاريخها الدموي في إدارة الحروب خاصةً في أفغانستان والعراق. وبالتالي، من غير المنطقي أن تقترح على دول أخرى ما فشلت بالقيام به.
المسألة الأخرى هي أن الشعب الفلسطيني لن يعد يقبل بالسلطة الفلسطينية وبرئيس يحكمهم من على دبابات الجيش الإسرائيلي. إذًا أمريكا لا تستطيع أن تفرض ما تريد والشعب الفلسطيني لن يقبل ما حاولت جاهدةً أن تفرضه الإدارات الأميركية المتعاقبة.
بالتوازي، فشلت معركة التضليل الإعلامي والحرب النفسية على المقاومة الفلسطينية، كما فشل قبلها الحصار والعقوبات والتجويع منذ مؤتمر مدريد وأوسلو وكامب ديفد. كل هذه الخطط والأطروحات الأميركية فشلت، خاصةً الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 17 سنة، وكل محاولات المراوغة لتصفية القضية الفلسطينية أو الالتفاف على الحقوق الفلسطينية ستوصلنا إلى سبعة أكتوبر مرات عديدة، فالشعب الفلسطيني لن يقبل أن يتم تجاوز حقوقه لا بالطرق الالتفافية ولا بالحصار ولا بالضغط، حتى الحديث عن حل الدولتين فشل.