● الاعلامي اللبناني سركيس الدويهي
إنّ فلسطين هي مقياس الانتماء إلى العروبة، وإلى المسيحيّة، وإلى الإسلام، وإلى الإنسانيّة. وهي الرّحم الأرضيّة الّتي خرجت منها الدّيانة المسيحيّة، وهي مهد السّيد المسيح وحافظة ذكرياته، وهي حاضنة أعظم وأقدس مقدّساتنا وآثارنا الدّينيّة، وهي أرض البشارة، والقيامة، والشّهادة.
أحيّي الأسرى الفلسطينيّين المعتقلين في غياهب السّجون الإسرائيليّة، وذويهم الصّابرين الصّامدين، وأدعو الشّرفاء في هذا العالم إلى التّضامن مع هؤلاء الأبطال المظلومين، والمطالبة الحثيثة بالإفراج عنهم، فلا يجوز أن نتركهم لوحدهم يقارعون جلّاديهم، ويتعرّضون لأقسى أنواع التّعذيب والتّعنيف.
وأسأل: أين المنظّمات الدّوليّة والجمعيّات الحقوقيّة الّتي تتشدّق بالكلام عن حقوق الإنسان والحرّيّات، ممّا يجري في فلسطين، وممّا يتعرّض له الشّعب الفلسطينيّ والأسرى المعتقلون ظلمًا وتعسّفًا في السّجون الصّهيونيّة؟!
هناك تخاذل عالميّ وازدواجيّة في المعايير لدى المجتمع الدّوليّ، ففي الوقت الّذي يطالب فيه الاتّحاد الأوروبّيّ وأمريكا بإنهاء ملفّ جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، يتناسيان معاناة مئات الأسرى الفلسطينيّين المرضى والمظلومين في سجون الاحتلال.
لا يجب على الشّرفاء في هذا العالم أن يقفوا صامتين ومكتوفي الأيدي أمام قرار الكنيست سحب الجنسيّة من أسرى الدّاخل الفلسطينيّ والقدس، وأمام أمر “بن غفير” بإغلاق المخابز الّتي تزوّد الأسرى الفلسطينيّين بالخبز، وأمام العقوبات اللّاإنسانيّة الّتي تفرضها سلطات السّجون ووحدات القمع عليهم، وأمام الاعتداءات الوحشيّة المتكرّة على الأسيرات الفلسطينيّات في سجن “الدّامون”.
نحن ندقّ ناقوس الخطر للعالم العربيّ والإسلاميّ، وللمنظّمات الدّوليّة والحقوقيّة، أنّ الأسرى الفلسطينيّين في خطر شديد، ونرجو أن يتحرّك أصحاب الضّمائر الحيّة والنّفوس الأبيّة، لنجدة ونصرة إخوتهم المعتقلين في السّجون الصّهيونيّة.
إنّ المسيحيّين والمسلمين الفلسطينيّين هم أبناء شعب واحد يعيش تحت نير الاحتلال، ويتشارك المعاناة والصّراع، وهم يقفون كالبنيان المرصوص دون تفرقة لمواجهة الظّلم والإذلال، إذ يرى جميعهم أنّ مقاومة المحتلّ حقّ وواجب.
لقد كان المسيحيّون الفلسطينيّون سبّاقين في الدّفاع عن فلسطين بحمل السّلاح والقلم، وقدموا الكثير من الدّماء، والمال، والفكر، والتّضحيات، في دعم الثّورة الفلسطينيّة. وهم يشكّلون إلى جانب المسلمين سدًّا منيعًا لكلّ محاولات الاحتلال لإلغاء فكرة الوطن الواحد، والأخوّة، والتّلاحم، بين أبناء الشّعب الفلسطينيّ.
من الطّبيعيّ أن يهبّ المسيحيّ لنصرة المسلم، والمسلم لنصرة المسيحيّ، انطلاقًا من الشّعور الأخويّ، وفكرة الإيثار الّتي ترعرع عليها أبناء فلسطين، فهم إخوة وشركاء في الأرض، والدّم، والمقاومة، والنّضال.
أشجب وأدين اعتداء أحد المستوطنين المتطرّفين، قبل يومين، على دير حبس السّيّد المسيح للآباء الفرنسيسكان في طريق الآلام، وهو واحد من الاعتداءات العنصريّة الوحشيّة الّتي تتعرّض لها المقدّسات والأوقاف المسيحيّة في فلسطين من قبل الصّهاينة. وأثمّن الموقف البطوليّ للشّابّ المقدسيّ المسلم “ماجد الرّشق” الّذي تصدّى للاعتداء وحمى الدّير.
إنّ نوايا ومخطّطات حكومة النّتن ياهو واضحة ومكشوفة، بما تحمله من وحشيّة، وغطرسة، وعنصريّة، وفاشيّة، وعداء، وإرهاب منظّم ضدّ الشّعب الفلسطينيّ، وأرضه، ومقدّساته.
على الفلسطينيّين أن يوحّدوا موقفهم، وأن يصعّدوا حدة ردودهم الميدانيّة، بمختلف السّاحات، وبفعل فلسطينيّ مقاوم يؤلم الكيان الغاصب، ويشكّل حالة ردع كبيرة، ويفسد مخطّطات الحكومة الصّهيونيّة الجديدة، ويقود الفلسطينيّين الأبطال إلى الحرّيّة والخلاص.
نحن في محور المقاومة أمام معركة مصيريّة، ما يفرض علينا المزيد من التّنسيق، والمزيد من التّخطيط الاستراتيجيّ، والمزيد من التّعاون والتّضامن، استعدادًا للمواجهة الّتي ستحطّم وتبدّد، بإذن الله، أحلام الصّهيونيّة ومخطّطاتها.
نحن المسيحيّين المقاومين الشّرفاء، لن نتخلّى عن شبر واحد من فلسطين، ولن نتنازل عن مقدّساتنا المسيحيّة لقتلة السّيّد المسيح، بل سنبقى نقاوم ونناضل حتّى تحرير كلّ فلسطين، وإزالة الكيان الغاصب من الوجود، واستعادة مقدّساتنا المسيحيّة والإسلاميّة.
أصدق التّحايا القلبيّة إلى أشقّائنا المقاومين الفلسطينيّين الّذين يسطّرون أروع ملاحم البطولة والإباء، وإلى أسرانا المظلومين الصّامدين الصّابرين. والسّلام على روح حاجّ فلسطين وعماد المقاومة الشّهيد القائد الحاجّ عماد مغنيّة، وكلّنا ثقة بما وعدنا سماحة السّيّد حسن نصر الله: سنصلّي في القدس بإذن الله.