كيف بددت المقاومة في لبنان الحلم الإسرائيلي باسقاطها سياسيًّا

كيف بددت المقاومة في لبنان الحلم الإسرائيلي باسقاطها سياسيًّا

في الدورة الثانية، ظهر التاسع من يناير، حسم حزب الله وحركة أمل، خياره بانتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان، منهيًّا حقبة العامين من الفراغ الرئاسي. الرئيس الجديد تعهّد بأن بإعادة إعمار ما دمّره العدوّ الإسرائيلي، وقال: «شهداؤنا هم روح عزيمتنا وأسرانا هم أمانة في أعناقنا.»

على مضض، رضخ «الثنائي الشيعي» للضغط الخارجي، متراجعًا عن مرشحيه دون أن يمنعه ذلك من فرض حضوره السياسي.

محمد رعد، رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» قال «تحية لأرواح الشهداء المقاومين الذي حموا البلد لكي تنعقد الجلسة من أجل أن يتحقق الوفاق الوطني في هذه الفترة الصعبة. أردنا من خلال تأخير تصويتنا لفخامة الرئيس بأن نرسل الرسالة بأننا حماة الوفاق الوطني في البلد.»

تقصّد «الثنائي الشيعي» تمرير رسالة مدوية مفادها بأنّ الخيار الحاسم في إكمال النصاب العددي والسياسي هو للمكوّن الشيعي، ولا يمكن انتخاب الرئيس بمعزل عنهما، كما كان ينوي بل وصرّح علنًا سمير جعجع خلال الحرب.

خلال اللقاء الذي عقده مع ممثلي «الثنائي الشيعي» محمد رعد وعلي حسن خليل مع الرئيس العتيد، قبيل الدورة الثانية، أُنجِز التوافق بعد تبدّيد الأخير الهواجس العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة.

التفاهم ركّز على مسؤوليات العهد الجديد خاصةً إعادة الإعمار وتشكيل حكومة وطنية وحفظ انجازات المقاومة.

وقد حضر سفراء «الخماسية» جلسة الاقتراع ليشرفوا على التزام أدواتهم بالأوامر العليا، وعلى جوقة الشتائم المخزية التي عكست السقوط الأخلاقي لبعض نواب الأمّة.

النائب أسامة سعد سأل زملاءه النواب: «هل يجرؤ أحدهم في دولةٍ من دولهم أن ينتهك الدستور؟ هل تقبل دولهم بانتهاك دستورها؟ لماذا نحن؟» مشيرًا إلى أن «الدستور قد عري أمام توافقات اللحظة.»

ووصف سعد الدبلوماسية الأميركية بـ«المُخادعة» حيث فرضت بـ «توافقات» لـ كرمى لـ «تسلاحها الذي قتل ما قتل من اللبنانيين، ودمّر ما دمّر من عمارهم»، مؤكدًا أن اللبنانيين يكفيهم «الإجرام الإسرائيلي والخداع الأميركي.»

بدورها، حليمة قعقور توجّهت إلى السفراء الجالسين في القاعة طالبة «عدم التدخل في شؤون لبنان وسيادته واحترامها»، معلنة رفضها لكل الإملاءات «سواء كانت سورية أو إيرانية أو أميركية.»

أموس هوكشتاين، الموفد الرئاسي الأميركي  إلى غرب آسيا، قال إن انتخاب عون «خطوة نحو السلام والاستقرار في لبنان.»

وشدّدت جينين هينيس بلاسخارت، المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان، على ضرورة «الإسراع في تكليف رئيس للوزراء وتشكيل حكومة دون أي تأخير، إذ إنّ المهام الملقاة على عاتق الدولة اللّبنانية ضخمة للغاية ولا تحتمل المزيد من إضاعة الوقت.»

ورأت أورسولا غيرترود فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية في انتخاب عون «بارقة أمل» لـ لبنان.

وتزامنًا مع انتخاب الرئيس الجديد، كانت وسائل إعلام العدو تروّج لإمكانية «احتلال لبنان واستمرار القتال فيه»، وتحث صنّاع السياسة في واشنطن على فعل كل ما يلزم لحماية «أمن إسرائيل»، وإن كان من خلال إشعال «حرب أهلية» لبنانية جديدة.

في خضمّ عدوان الـ66 يومًا، سارعت الإدارة الأميركية إلى التعبير عن رغبتها في فرض انتخاب رئيس للبنان وفق شروطها بشكل يقوّض حزب الله على الساحة السياسية اللبنانية.

قبل يوم واحد من الجلسة الانتخابية، كتب ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون غرب آسيا، مقالاً على موقع «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»،  رأى فيه أنّه فيما سيكون اختيار رئيس «ذي عقلية إصلاحية» بمثابة «خطوة أولى» جيدة، إلا أنّه «من دون جهود متضافرة لتوطيد النكسات التي تعرّض لها حزب الله، فإنّ المنظمة ستعيد ببساطة فرض قبضتها الفتاكة»، على حدّ تعبيره.

شينكر تابع أنّ الحكومة نشرت الجيش في الجنوب، لكنها على الأغلب سترفض وجيه قواتها بشكل استباقي لـ «تفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله ومصادرة أسلحته»، بما يتماشى مع القرار الأممي 1559.

ولفت إلى أنّ السياسيين اللبنانيين يتخوّفون من «اشتعال حرب أهلية»؛ والأهم، أنّهم يدركون أنّه وعلى الرغم من نهاية نظام بشار الأسد، فإنّ «الحزب سيعيد تشكيل نفسه».

شينكر أضاف «لتشجيع القيادة اللبنانية، بل إجبارها على اغتنام الفرصة التي يتيحها تراجع حزب الله بعد حربه مع إسرائيل، قد تضطر واشنطن إلى جعل المساعدة الاقتصادية والعسكرية مشروطةً بـ أداء القوات المسلحة اللبنانية، في ما يتعلق بفرض قرارات الأمم المتحدة جنباً إلى جنب فرض عقوبات على السياسيين اللبنانيين المتمرّدين.»

في مقابلة لـ صحيفة «هآرتس»، لفت درور دورون، محلل الشؤون اللبنانية السابق في مكتب نتانياهو،  إلى أنّه من الصعب «رؤية الجيش الإسرائيلي ينسحب إلى الحدود الدولية في الظروف الحالية، بل من المرجّح أن ينشئ منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان.». دورون صرّح بأن حزب الله سيقاوم ذلك المخطط «مع عدم جرأة الحكومة الرسمية على معارضته خوفًا من أن يُنظر إليها على أنها متواطئة مع إسرائيل.» وأردف إنّ «الحل الوحيد لتغيير الوضع يكمن في الانتخابات الرئاسية؛ فإذا تم انتخاب مرشح شجاع مناهض لحزب الله مثل العماد عون، فمن المحتمل أنه بدعم أميركي قوي، سيحاول إجبار حزب الله على الانسحاب إلى شمال الليطاني»، زاعمًا أنّه من المرجّح أن يؤدي السيناريو المشار إليه إلى «انفجار داخلي في لبنان».

من جهته، صرّح بول سالم، نائب رئيس «معهد الشرق الأوسط» لـ «نيويورك تايمز» عن إنّ حزب الله أدرك أنّه «لا يزال قويًّا، إنما سيتعين عليه تقديم بعض التنازلات»، لتأمين «مساعدات خارجية ضخمة وواسعة النطاق، جنبًا إلى جنب الدفع باتجاه دولة شرعية، يمكن أن ينطوي ضمنها، ويحمي نفسه داخلها».

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال