الدمار الشامل ومعاناة السكان
تعيش غزة حربها الخامسة منذ فرض الحصار عليها في عام 2007. هذه الحرب، التي بدأت في أكتوبر 2023، تختلف عن سابقاتها في حجم الدمار والمعاناة التي خلفتها. بينما كان الفلسطينيون في الحروب السابقة يبحثون عن مساكن مؤقتة إلى أن يتم إعادة بناء منازلهم، يبدو أن هذا الأمر أصبح مستحيلًا بعد هذه الحرب. فحجم الأنقاض الهائل وخطورتها يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية في القطاع شبه مستحيلة في المستقبل القريب.
أنقاض تفوق 42 مليون طن
وفقًا لبيانات برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة… بلغ حجم الأنقاض الناتج عن القصف الإسرائيلي حتى نهاية يوليو الماضي أكثر من 42 مليون طن. هذا الرقم الضخم يعادل شاحنات ممتدة من نيويورك إلى سنغافورة. وعملية إزالة هذه الأنقاض لن تكون سريعة أو بسيطة؛ فقد تستغرق 15 عامًا بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار… بالإضافة إلى المخاطر المتعلقة بالقنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة التي قد تكون تحت الأنقاض.
الحرب المستمرة خلفت دمارًا شاملًا في القطاع. فقد تم تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 70% من المنازل، و93% من المدارس، و65% من البنية التحتية، بما في ذلك المرافق الصحية والطرقات. هذا الدمار الشامل يعقد أي جهود مستقبلية لإعادة الإعمار، ويزيد من التحديات التي تواجه السكان في العودة إلى حياتهم الطبيعية.
النزوح الجماعي والمعاناة الإنسانية
منذ بداية العدوان الإسرائيلي، نزح أكثر من مليوني فلسطيني من منازلهم في قطاع غزة. هؤلاء النازحون يعيشون في ظروف قاسية للغاية… حيث أجبروا على ترك منازلهم قسراً والانتقال إلى مناطق أخرى داخل القطاع، رغم أن العديد من هذه المناطق تعرضت للقصف. واضطروا إلى إنشاء مخيمات مؤقتة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك المياه النظيفة والطعام والمأوى.
إضافة إلى ذلك… يعاني القطاع من حصار خانق؛ فقد تم قطع الكهرباء ومنع دخول الوقود والمواد الغذائية، ما جعل الأوضاع الصحية والإنسانية تزداد سوءًا. بحسب التقارير، يعاني أكثر من 3500 طفل في غزة من سوء التغذية ونقص الغذاء، وهو ما يجعلهم عرضة للوفاة. كما أن القطاع الصحي في غزة على وشك الانهيار، إذ يعاني حوالي 10 آلاف مريض بالسرطان من نقص العلاج نتيجة منعهم من السفر لتلقي العلاج خارج القطاع.
تدمير الطفولة ومستقبل غامض
العدوان الإسرائيلي لم يستهدف البنية التحتية فقط، بل طال أيضًا الأطفال والمستقبل الفلسطيني. تشير التقديرات إلى أن اثنين على الأقل من كل 10,000 شخص يموتون يوميًا في غزة بسبب الجوع، ومعظم هؤلاء الضحايا هم من الأطفال. سكان غزة يبحثون عن الطعام في الأنقاض، ويضطرون لاستهلاك مياه ملوثة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض بشكل سريع. الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من هذه الأوضاع، حيث يقضي العديد منهم بسبب سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية.
الحرب ضد الذاكرة والتاريخ
إلى جانب الحرب المادية، تشن إسرائيل حربًا ضد التاريخ والذاكرة الفلسطينية. الكاتبة البريطانية من أصول فلسطينية، إيزابيلا حماد، ترى أن هذه الحرب ليست موجهة فقط ضد الجسد، بل أيضًا ضد الوعي الجماعي والتاريخ الفلسطيني. المدارس والمتاحف والمؤسسات التعليمية تمثل جزءًا من هذا الاستهداف، حيث تحاول إسرائيل محو الذاكرة الفلسطينية ومنع الأجيال القادمة من الوصول إلى تاريخها وتراثها.
هذا الهجوم على المؤسسات التعليمية يمثل شكلًا من أشكال “الإبادة المعرفية”، حيث تسعى إسرائيل إلى تدمير الأماكن التي يتم فيها نقل المعرفة والذاكرة والقيم. هذه الحرب الأيديولوجية تعزز الحرب المادية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، مما يجعل من الصعب على الفلسطينيين الحفاظ على هويتهم الثقافية والتاريخية.
الدعم الأميركي والتواطؤ الدولي
لا يمكن فهم العدوان الإسرائيلي على غزة بدون الإشارة إلى الدور الأميركي والدعم الغربي المطلق الذي تحظى به إسرائيل. الولايات المتحدة تقدم الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، ما يجعلها شريكًا في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني.
المنظمات الإسرائيلية المتطرفة تمنع دخول المساعدات إلى غزة، وتستهدف المدنيين الذين يحاولون الحصول على الغذاء والماء. كما أن القوات الإسرائيلية تطلق النار على عمال الإغاثة والمدنيين، وتستهدف المناطق التي يُعتقد أنها آمنة. في بعض الحالات، توفي فلسطينيون غرقًا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات التي أسقطتها الطائرات الأميركية في البحر.
مستقبل غزة تحت الظلّ
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، يبدو أن الأوضاع ستزداد سوءًا في المستقبل القريب. الدمار الشامل، النزوح الجماعي، والأوضاع الإنسانية الكارثية تجعل إعادة بناء غزة أمرًا معقدًا للغاية. ومع تواطؤ المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، في دعم إسرائيل، يبقى الأمل ضئيلًا في تحسين الأوضاع.
ومع ذلك، يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا. فقد أثبتت غزة، على مر السنوات، أنها قادرة على مواجهة التحديات رغم الحصار والعدوان. لكن ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو دعم دولي حقيقي وضغط لوقف العدوان ورفع الحصار، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من العيش بكرامة وإعادة بناء ما دمرته الحرب.