كتب: كمال خلف
الحديث عن “زياد نخالة” يعني الحديث عن الرجل الذي انقذ حركة الجهاد في اللحظات المصيرية الصعبة حتى قبل ان يصبح امينا عاما، وقليلون من الحركة وخارجها من يعرفون ذلك او لديهم تفاصيل تلك الخيارات الصعبة في لحظة مصيرية اصعب، والرجل الذي نقل حركة الجهاد اليوم الى مستو من الفعالية والحضور النوعي في السياسة والميدان و الرجل الذي كسب ثقة الحلفاء واعجابهم واحترامهم من خلال صدق القول والفعل وجدية العمل واستقلال الخيارات، وشجاعة القرارات، ووضوح الموقف. مشكلا هاجسا وطرفا مرهوب الجانب للأعداء، يحسب لقراراته الحساب.
نحن امام نموذج بازغ من القيادات الفلسطينية الاستثنائية المثيرة للاهتمام في مرحلة من التخبط في الساحة الفلسطينية. امام قائد متواضع زاهد في امتيازات العيش الرغيد، والتكلف والزخرفة ” المرض الذي أصاب الكثيرين من القيادات الفلسطينية منذ وقت مبكر من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة للأسف”، يعيش مثل كل كوادر الحركة ولا يميز نفسه عنهم، ويعلم ان حياته على كفه وانه في أي لحظة سيكون الى جوار ربه مع الشهداء. وأورد هذا ليس مدحا او اطراء بلا معنى. بل لوجوب انصاف هذا الرجل في ظروف معقدة وصعبة تواجه الحركة والمقاومة الفلسطينية بشكل عام.
معرفتي بالأمين العام لحركة الإسلامي “زياد نخالة” كانت من خلال عدة حوارات تلفزيونية في مفاصل واحداث هامة مرت خلال السنوات الماضية حتى عندما كان نائبا للأمين العام للحركة، وكذلك اتيحت لي فرصة للاجتماع به أكثر من مرة في لقاءات محدودة الحضور بعيدا عن الحوارات الصحفية والاعلام، وكانت فرصة لطرح العديد من الأسئلة والدخول معه في نقاشات استمعت فيها لتصوراته ونظرته للعديد من الملفات الفلسطينية والإقليمية. أكثر ما يلفت الانتباه هو تكراره لمسألة الحرص على وحدة المقاومة وعدم شق الصف، وضرورة التنسيق المستمر مع الاجنحة العسكرية سواء كتائب القسام او شهداء الأقصى او كتائب أبو علي مصطفى وغيرها.
ان وصف البعض لحركة الجهاد بانها متمردة على التفاهمات المحلية الإقليمية المقيدة لحركة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي حيكت بضغوط ومفاوضات بالترهيب والترغيب، واستغلال معاناة اهل القطاع وحاجة السكان لبناء ما هدمته إسرائيل في الحرب الأخيرة. وصف غير دقيق، لان الحركة لا تهوى الحرب ولا تغامر بدماء اهل غزة. انما في هاجس قادة الحركة امر واحد ان لا يكون السكون والجمود في حركة المقاومة وتقييد ردها على العدوان الإسرائيلي على القدس والشعب الفلسطيني ان لا يكون ذلك نهجا مستمرا دائما تجد فيه إسرائيل حلا تركن اليه وتستغله، فتنسى القضايا الأساسية او تستبعد من دائرة الاهتمام، وهي أولا الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومقدساته في كل فلسطين ومقاومة الاحتلال، وثانيا وكهدف مباشر رفع الحصار كاملا عن قطاع غزة ليعيش اهله مثل كل البشر على الأرض.
كان لافت مستوى الترحيب الكبير والكبير جدا بالنخالة خلال الزيارة التي يقوم بها الى طهران. وهي زيارة تأتي بالتزامن مع تأهب واستنفار إسرائيلي على حدود قطاع غزة تحسبا لرد حركة الجهاد على اعتقال قوات الاحتلال للقيادي في الحركة “بسام السعدي” في مدينة جنين. الإجراءات الإسرائيلية بناء لذلك غير مسبوقة تمثلت في اغلاق طرق وشواطئ ووقف حركة قطارات. وهذا يعني شيئا واحدا هو ان تل ابيب تعرف انها امام رجل قادر على اتخاذ القرار الصعب بدون تردد، او حسابات شخصية، او تأثيرات خارجية، او سيطرة من أي جهة على سياسة الحركة التي يقودها. قضية اعتقال “السعدي” ليست حدثا فرديا يرتبط بقيادي او ناشط من كوادر الحركة، انما لعلم إسرائيل ان حركة الجهاد فعلت نشاطها بالضفة الغربية بجهد استثنائي، واستطاعت بناء هياكل ومجموعات مقاومة في عدة مدن ومناطق بالضفة وبإمكانات متواضعة جدا وباتت تشكل خطرا في أي مواجهة مقبلة.
ولا شك ان النخالة وقيادة حركة الجهاد يحاولون تثبيت معادلة خاصة بهم مع العدو فحواها ان استهداف كوادر الحركة له ثمن، سواء استهداف جسدي او اعتقال او إجراءات تعسفية ضد معتقلين او تهديد حياة اسرى مضربين عن الطعام. تلك معادلة وان كان من الصعب تثبيتها بشكل مستمر مع الاحتلال، الا ان قادة إسرائيل باتوا على يقين ان قيادة الجهاد الإسلامي ان قالت فعلت، مهما كان الثمن، وهذا ما يجعلهم يحسبون حساب للنخالة واخوته في قيادة الحركة وفي القيادة العسكرية لسرايا القدس الجناح العسكري للحركة.
وقد نكشف سرا ان قلنا ان علاقة حركة الجهاد الإسلامي بسورية قد تطورت بشكل كبير، وان سورية باتت تولي الحركة اهتماما خاصا، وبات لديها ثقة كبيرة وحتى اعجاب بالأمين العام للحركة زياد نخالة. وهذا ليس تفصيلا باعتبار سورية وان كانت تعاني اليوم من تداعيات عشرية النار عليها وفيها، الا انها الجغرافية الأهم لاي حركة مقاومة فلسطينية تبحث عن عمق حقيقي في الفضاء العربي، وموقف سورية الشعب والقيادة مازال رغم كل ما حدث متقدم جدا في النظرة الى الصراع مع إسرائيل واهمية المقاومة وضرورتها.
يبقى ان نقول من باب الحرص والنصح للحركة، ان عليها ان توسع بيكار العلاقة مع المجتمع الفلسطيني بكل اطيافه واتجاهاته، وان كانت الحركة إسلامية فليس بالضرورة ان يكون العمل والانفتاح والتركيز على الاتجاه الإسلامي داخل صفوف الشعب، الفن والمسرح والموسيقى والشعر والادب والغناء الملتزم، والرياضة، والاعلام، كلها اجنحة تحمل الفكرة والهدف والموقف الى فضاء واسع في العالم.