منذ انخراط حزب الله في جبهات إسناد غزة، 42 مستوطنة في شمال فلسطين المحتلة تم إخلاؤها بشكل كامل كما تم إخلاء الكثير من المواقع العسكرية الحيوية والاستراتيجية.
وكان الإعلام الحربي لحزب الله قد نشر مشاهد مصورة بطائرات مسيرة تتضمن مسحًا عالي الدقة لأهداف مدنية وعسكرية واقتصادية، بما فيها ميناء ومطار حيفا، مستوطنة الكريوت، مبنى قيادة وحدة الغواصات، مراكب وسفينة ساعر 4.5 المخصصة للدعم اللوجستي، خزانات النفط ومنشآت بتروكيميائية، مجمع الصناعات العسكرية لشركة رفائيل، مجمعًا سكنيًّا كبيرًا، ومجمعات تجارية، الخ.، في إشارة واضحة إلى حجم التكلفة الباهظة التي ستتكبدها “إسرائيل” إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله في لبنان.
وفي غضون ذلك، أفاد الباحث الصهيوني داني سيترونوفيتش من معهد أبحاث الأمن القومي لصحيفة معاريف بأن هناك توازنًا بين الثمن الذي يدفعه محور المقاومة وكيان العدو، وأن الأطراف قد تكون على شفا تصعيد متعدد الجبهات، مضيفًا أن حزب الله لن يوقف هجماته في الشمال دون التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وبدوره، لفت المحلل العسكري الصهيوني عاموس هارئيل في صحيفة هآرتس العبرية إلى عدم وجود حلول للمشكلة الاستراتيجية في الشمال، حيث يتعرض للقصف منذ عشرة أشهر، مع إجلاء نحو 60 ألفًا من قطعان المستوطنين، في ظل عجز مسؤولي الكيان الصهيوني عن تقديم المساعدة الكافية لهم.
وكذلك، صرّح رئيس “مجلس الجليل الأعلى الإقليمي”، غيورا زالتس، في حديث مع إذاعة “كان بيت” العبرية: “في ظلّ انتظار ردّيْ إيران وحزب الله، واقع حياة كل المستوطنين هو واقع حياة “سكان الشمال” خلال الأشهر العشرة الأخيرة”. وأضاف ساخرًا: إن “إسرائيل” اكتشفت خلال الأسبوع الأخير فجأة، أن هناك منظّمة وراء الحدود الشمالية تُدعى حزب الله وتُهدّد بإطلاق صواريخ ومُسيّرات، لكننا في الشمال نعيش هذا الواقع منذ السابع من أكتوبر، مع قتلى وجرحى وصواريخ ومُسيّرات و إخلاء مستوطنات ومنازل مُدمّرة”.
وكما يرد من تسريبات الإعلام العبري، فإن ثمة توجّهًا رسميَّا صهيونيًّا ممنهجًا إلى طمأنة المستوطنين إلى أن الهجمات المرتقبة من لبنان وإيران واليمن ستركز فقط على المنشآت العسكرية والأمنية… هذه الضغوط ستضغط حتمًا على صانع القرار خاصة في اليوم الذي يلي تبادل الضربات الذي لن يحسّن فرص العدو في التوصل إلى تسوية ملائمة لمصالحه بل سيزيدها تعقيدًا.
انطوى المسح الشامل لـ هدهد “حزب الله” في شمالي فلسطين المحتلة على رسالة ردع إلى حكومة بنيامين نتنياهو، إذا قرر التوسع في الحرب على لبنان، ناهيك عن تكريس معادلة الاختراق الجوي اللبناني للأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل الاختراق الجوي الإسرائيلي في لبنان، كما أثبت المسح قدرات الاستطلاع العالية لدى المقاومة خاصة فوق منطقة استراتيجية مثل حيفا، التي تحتوي على مصانع للقبة الحديدية ومصانع لمقلاع داود.
نحن أمام مستجد غير مسبوق لم يشهده الداخل الإسرائيلي – الشعبي والمؤسساتي والخبراء- طوال تاريخه في مقابل حزب الله، تزامنًا مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان لدفع مقاتلي الحزب إلى خلف نهر الليطاني، ورسالة الحزب التي كان فحواها أنه إذا أردتم الإقدام على هذه الخطوة فإن المواجهة ستختلف عن المواجهات السابقة من حيث الأهداف والأدوات والأساليب بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتجاهل الفشل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
بالتالي، فإن وضع كيان الاحتلال الصهيوني والمتغيرات الدولية تحتم على العدو عدم القيام بأي حرب استنزاف أخرى، لأن هذا سيكون مغامرة كبيرة ومكلفة جدًّا.