استمرار الإبادة التي يمارسها الكيان الاسرائيلي
مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية الصيفية المقرر إجراؤها في باريس في 26 تموز 2024، يترقب عشاق الرياضة من جميع أنحاء العالم هذا الحدث العالمي الذي يجمع بين الشعوب بروح المنافسة الشريفة والتضامن الإنساني، حيث تحمل هذه الدورة من الألعاب شعار “التضامن الإنساني”، وهو شعار يتسم بالمعاني السامية والنبيلة التي تعزز قيم الإنسانية والوحدة بين الناس. ومع ذلك، يواجه هذا الشعار تحدياً كبيراً في ظل المأساة المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت نار العدوان الإسرائيلي.
ففي الوقت الذي يتأهب فيه الرياضيون من مختلف الدول للتنافس على الميداليات الذهبية، يعاني الشعب الفلسطيني من حرب إبادة جماعية تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي، فغزة تعيش تحت حصار مستمر وقصف عشوائي أدى إلى تشويه وقتل وتشريد آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وبطبيعة الحال فإن هؤلاء الأطفال الذين يشهدون الدمار اليومي لن يكونوا على علم بالمسابقات الرياضية العالمية التي ستجري في باريس، بل سيكونون منشغلين بمحاولة البقاء على قيد الحياة في ظل ظروف إنسانية كارثية.
إن الألعاب الأولمبية تمثل في جوهرها الاحتفال بالسلام والتفاهم بين الشعوب، فكيف يمكن للضمير العالمي أن يتجاهل أصوات الأطفال الفلسطينيين الذين تشوهوا أو تيتموا أو شردوا بسبب عدوان الكيان الإسرائيلي؟ إذ أن الحداد على الأحباء الذين استشهدوا، والبحث عن الماء والغذاء والمأوى، والقلق على المستقبل المجهول هي الأمور التي تشغل بال الفلسطينيين يومياً… في هذا السياق، تستحيل فكرة الاحتفال بالرياضة والمنافسة أمام واقع الموت والدمار الذي يعيشه هؤلاء الأبرياء.
التناقض بين التضامن الإنساني ومشاركة الكيان الإسرائيلي
تأتي مشاركة الكيان الإسرائيلي في الألعاب الأولمبية لتطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول مدى التزام هذه الألعاب بقيمها الإنسانية المعلنة، فكيف يمكن لجهة تمارس القتل والتدمير بشكل يومي أن تشارك في حدث يفترض به أن يكون رمزاً للسلام والوحدة؟ إن مشاركة الكيان الإسرائيلي في الألعاب الأولمبية تعني، بطريقة ما، شرعنة للجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وتناقض صريح مع شعار التضامن الإنساني.
ولذلك فإنه يتوجب على الشعوب الحرة في العالم أن ترفع صوتها عالياً ضد مشاركة هذا الكيان في الألعاب الأولمبية، ويجب أن تكون هناك رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الجرائم ضد الإنسانية لا يمكن التغاضي عنها أو التعامل معها كأمر عادي في سياق الرياضة، لأن الرياضة ليست في جوهرها إلا تعبير عن الروح الإنسانية النبيلة، ولا يمكن أن تكون واجهة لتجميل صورة المعتدين أو منحهم منصة للظهور على أنهم جزء من المجتمع الدولي المحترم.
وبالتالي فإن الوقت الحالي يتطلب موقفاً حازماً من جميع الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية، كما يجب أن تكون هناك دعوات متزايدة لمنع مشاركة الكيان الإسرائيلي في هذه الألعاب طالما استمر في سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ويجب أن يكون هناك تضامن حقيقي مع الضحايا الأبرياء، وأن تتخذ الدول مواقف جريئة تدعم حقوق الإنسان والقيم الإنسانية.
لا يمكن أن ننسى أن الألعاب الأولمبية بدأت كاحتفال بالسلام ووقف للحروب، وهي اليوم يجب أن تكون منبراً لنشر رسالة السلام والعدالة، إذ إن السماح لمعتدين بالمشاركة فيها ينتهك هذه القيم ويحول الألعاب إلى مجرد استعراض فارغ من المعنى، ويجب أن نذكر الجميع بأن الرياضيين يتنافسون لتحقيق الأفضل لأوطانهم، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب إنسانية الشعوب الأخرى وحقوقها الأساسية.
دور الإعلام والمجتمع المدني
يلعب الإعلام والمجتمع المدني دوراً حاسماً في توعية الرأي العام العالمي بما يحدث في فلسطين، ويجب أن تكون هناك تغطية مستمرة لما يجري هناك، ونقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى كل زاوية في العالم، حيث يجب أن تركز التقارير الإعلامية على التناقض الصارخ بين القيم الإنسانية التي تروج لها الألعاب الأولمبية والواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون.
كما يتوجب على المنظمات الحقوقية والنشطاء أن يعملوا على تنظيم حملات ضغط تستهدف اللجنة الأولمبية الدولية والدول المشاركة، ويجب أن تكون الرسالة واضحة: لا يمكن أن تكون هناك رياضة بلا إنسانية، ولا يمكن أن نحتفل بالتضامن الإنساني بينما يتم تجاهل معاناة شعب بأكمله.
خاتمة
في الختام، تأتي الألعاب الأولمبية 2024 في باريس تحت شعار التضامن الإنساني في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني من مأساة إنسانية كبيرة، ويتوجب علينا كشعوب حرة أن نرفع صوتنا لمنع مشاركة الكيان الإسرائيلي في هذه الألعاب، تعزيزاً للقيم الإنسانية والعدالة، إذ إن السماح للمعتدين بالمشاركة ينتهك جوهر الرياضة وروحها، ويحول الألعاب إلى مجرد واجهة لتجميل صورة الاحتلال.
يجب أن يكون هناك تضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني، ويجب أن تتخذ الدول والمجتمع الدولي مواقف شجاعة تدعم حقوق الإنسان. فقط من خلال التمسك بالقيم الإنسانية يمكن للألعاب الأولمبية أن تكون حقاً احتفالاً بالسلام والوحدة بين الشعوب.