لقد أتى طوفان الأقصى حاملاً معه نتائج غير مسبوقة وإن كانت متوقعة، فقد أظهر من خلال هذه النتائج ما حملته المقاومة من مستوى رفيع في البطولة والبسالة ، كما أظهر قدرة وإرادة أهالي فلسطين عامة وغزة خاصة على الصمود والمواجهة والتصدي رغم كل ما تعرضوا ويتعرضون له من إبادة جماعية يومية يمارسها جيش الكيان الصهيوني المحتل، وهذا مما لا يمكن تجاهله أو نسيانه من الذاكرة الحرة لشعوب المنطقة والعالم الحر، كما إنه سيبقى دائماً عنواناً لتاريخ جديد يعيد فيه للعرب هيبته وكرامته والتي حاول البعيد والقريب أن يجعلوها رسماً غابراً في التاريخ.
فحملة إبادة الشعب التي تجري في تاريخنا المعاصر بما تحمله من وحشية ممنهجة عن سبق إصرار وتصميم وفي كل دقيقة أمام العالم بأسره سجلت وصمة عار على الإنسانية أجمع وسط صمت غير مسبوق من القريب قبل البعيد والذي وقف على الحياد إن لم يكن ذو يدٍ طولى في تلك الوحشية، إلا أننا ورغم ذلك نستطيع أن نشهد كيف أن الأحرار وأصحاب الإنسانية من كل أنحاء العالم بدأوا يوجهون الإدانات بمختلف منظماتهم ومؤسساتهم ضد من يرتكب هذه الوحشية وداعميها، فاتسع المشهد ليتم تشكيل منظمات مدنية واتحادات شعبية وعالمية في دول كثيرة وأهمها الراعي الأول للوحشية والطغيان الولايات المتحدة الأمريكية فالإنسان أخو الإنسان بضميره الحي وإنسانيته النبيلة فلا الأخلاق تتجزأ ولا الإنسانية تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان، وقد طالب الجميع بوقف العمليات الوحشية للكيان المحتل، ولكن ما أُخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة فلن يكون السبيل إلى وقف وحشيتهم إلا رد الحجر من حيث جاء، فالمطالبات لا تكفي ولن تعمل على تحقيق العدل المحق للجانب الفلسطيني فالكيان هو الكيان ذلك الطفل المدلل للشيطان أكبر، وتبقى الدول العربية يرسمها قول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي.
ولا بد لنا من الإشارة من أننا وأمام هذه المذبحة البشعة نحتاج لآلاف المنظمات والجمعيات المدنية المستقلة لتحويل سجل هذه المذبحة إلى تاريخ إدانة غير مسبوقة، فهذا الكيان الغاصب لم يتوقف مذابحه طوال قرن من الزمن ضد شعب لم يُرد إلى استعادة حقه في الأرض والسيادة، وهنا نستطيع أن نرى وبكل وضوح سخرية القدر ففي الوقت الذي لم يظهر بعد في منطقتنا العربية والإسلامية سوى عدد قليل من المنظمات المدنية المستقلة للمشاركة في هذه المهمة التاريخية، نرى أنه في الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت أكثر من مئتي منظمة ذات اختصاصات مختلفة بأكبر حملة تطلب فيها الكيان المحتل بوقف النار الفوري في قطاع غزة، معلنةً اتحادها تحت اسم: شبكة العمال القومية الأمريكية من أجل وقف النار وإنهاء القتل والتدمير، والتي وضعت برنامجاً للضغط على إدارة بايدن ومطالبته بالفرض على حكومة الكيان الغاصب بإيقاف النار فوراً.
كما إنّ المظاهرات الشعبية تتواصل حول العالم تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه وحيدا العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة والاعتداءات عليه في الضفة الغربية المحتلة والقدس، إلى جانب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث رفع المتظاهرون -المنددون بوحشية وعنصرية الاحتلال- الأعلامَ الفلسطينية في عدد من المدن الأميركية وأمام البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، مؤكدين على الحرية لفلسطين، ومطالبين بوقف الدعم الأميركي للكيان المحتل ومقاطعتها، كما تكرر المشهد في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية واللاتينية وغيرها من دول العالم. ومع وجود هذا المد العالمي الحر الداعم للشعب الفلسطيني يصبح المطلوب الآن أن يستمر ويتسع وجود هذه المؤسسات والاتحادات التي تبنت التنديد بالمذابح المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في ساحة العمل العالمية حتى لو جرى أي اتفاق لإيقاف النار الدائم أو المرحلي.